للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٣ - اليقين الذاتي: وهو الذي وصفه الغزالي بكونه "اعتقادًا جزمًا"، ويعني جزم الإنسان بقضية من القضايا بشكل لا يراوده شكّ أو احتمال لخلاف ذلك، ولكن دون أن يرى استحالة وقوع خلاف ما يعتقده ويجزم به، مع عدم الإهتمام بمدى وجود مبررات موضوعية لهذا اليقين. (١)

٣ - اليقين الموضوعي: وهو"التصديق بأعلى درجة ممكنة، على أن تكون هذه الدرجة متطابقة مع الدرجة التي تفرضها المبررات الموضوعية، أي أن تصل الدرجة التي تفرضها المبررات الموضوعية إلى الجزم". (٢)

ويقسم اليقين (القطع) أيضًا إلى نوعين: الأول: القطع الذي يستحيل عقلًا نقضه ووجود مخالف له، والثاني: القطع الذي يراد - به نفي الإحتمال الناشئ عن دليل، لا نفي الإحتمال الجائز عقلًا. والنوع الأول عزيز الوجود في واقع الناس، أما النوع الثاني فتحصيله ممكن وهو المراد بالقطع عادة في الشرعيات، بل وفي العلوم كلها. ومن ذلك قول الحنفية بأن دلالة اللفظ العام على أفراده قطعية، وقول جمهور الأصوليين عن النص بأنه اللفظ الدال في محل النطق ويفيد معنى لا يحتمل غيره. (٣) إذْ أشار بعضهم إلى أن الإحتمال الذي لا يقبله النص هو الإحتمال الناشئ عن دليل، أما الإحتمال الناشئ عن غير دليل فإنه لا يمنع أن يكون اللفظ نصًّا في معناه. (٤)

نوع اليقين المقصود في الاستقراء:

ليس المقصود باليقين المراد تحصيله في الاستقراء اليقين المنطقي، كما أنه ليس المقصود اليقين الذاتي الذي يُعدّ وجودُه في القضايا الإستقرائية عند كثير من الناس مما لا شك فيه. وإنما المقصود باليقين الذي يسعى الإستدلال الإستقرائي إلى تحصيله هو اليقين الموضوعي، أو ما سماه الشاطبي بالقطع العادي، أي اليقين الذي يراد به نفي الإحتمال الناشئ عن دليل، لا نفي كل احتمال جائز عقلًا. أي هل هناك مبررات


(١) انظر الغزالي: كتاب محك النظر، ص ١٠٠.
(٢) محمد باقر الصدر: الأسس المنطقية للإستقراء، ص ٣٢٥.
(٣) انظر الشنقيطي: نشر البنود على مراقي السعود، ج ١، ص ٨٤.
(٤) محمد أديب صالح: تفسير النصوص في الفقه الإِسلامي، ج ١، ص ٢٠٦.

<<  <   >  >>