للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

موضوعية لإيصال التصديق الإستقرائي إلى درجة الجزم واليقين أم لا؟ فإذا وجدت مبررات موضوعية تثبت أن ما توصل إليه الاستقراء من نتيجة يُقْطَع به عادة، أي حسب ما جرت به العادة وسنن الكون، حكمنا لذلك بإفادة اليقين، بغض النظر عن الإحتمالات المخالفة الناشئة عن غير دليل. ومهما يكن فإن التصديق الموضوعي يبقى بحاجة دائمة إلى افتراض مصادرة فحواها أن هناك درجات من التصديق الموضوعي بديهية ومعطاة بصورة أولية. وهذه هي الأسس التي اعتُمِد عليها في القول بإفادة التواتر القطع.

هل يشترط في نتيجة الاستقراء أن تكون يقينية حتى يعمل بها؟

قد يكون صدق نتيجة الاستقراء تامًّا، أي يقينيًّا، وقد يكون في غاية الرجحان دون الوصول إلى مرتبة اليقين، وفي كلتا الحالتين يجب العمل به؛ لأن العمل بالقضايا الراجحة أمر لا مَفَرّ منه، وإلَّا تعطلت الحياة البشرية، ليس فقط في جانبها التشريعي، بل في جميع مناحيها. ومَنْ مِن الناس في هذا الكون يستطيع الزعم بأنه لا يعمل إلّا بما توفر له فيه عنصر اليقين المنطقي؟ فمن خصائص العلم البشري أنه في كثير من نواحيه نسيي، إلَّا ما جاء به وحي ثبت صدقه، أو ما قطع العقل به. نعم يشترط اليقين في جانب العقائد لخطورتها في حياة البشرية، أما الأحكام العملية فيكفي فيها الظن الراجح.

المراد باليقين في المقاصد:

عندما نتوصل من خلال استقراء تصرفات الشريعة ونصوصها إلى نتيجة مفادها القطع مثلًا بكون التيسير مقصدًا من مقاصد الشارع، فإن ذلك يعني القطع بوجود هذا المقصد، وأن الشارع قَاصِدٌ إليه في تصرفاته كلِّها، لا أننا نقطع بوجود هذا المقصد في كلّ معاملة وفي كلّ تصرف شرعي مهما كان نوعه؛ لأن ذلك يحتاج إلى بحث آخر وإلى التحقيق في إمكانية دخول هذا التصرف أو المعاملة ضمن ما قصد الشارع إلى التيسير فيه أو عدم إمكانية ذلك. وهذا هو المقصود بقولنا إننا نوقن بأن الشارع قصد إلى رفع الحرج أو التيسير أو غيرها من المقاصد العامة.

<<  <   >  >>