للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن إدراك المقاصد الشرعية أمر مهم جدًّا في استنباط الأحكام، لكنه يبقى عنصرًا واحدًا من العناصر التي يحتاج إليها الإجتهاد، ولا يمكن أن يصير بمفرده منهجًا لإستنباط الأحكام؛ وذلك أن استنباط حُكْم من الأحكام الشرعية يتمّ عبر خطوات تتمثل في: فهم النص الذي يمكن أن تندرج تحته الواقعة محلّ الإجتهاد، وذلك يقتضي تمكُّنًا من اللغة العربية، ثم معرفة ما إذا كان ذلك النص ناسخًا أو منسوخا، ومعرفة سبب نزول الآية أو ورود الحديث إذا كان كلّ منهما لا يُفْهم إلَّا بمعرفة ذلك، ثم معرفة موقع ذلك النص من النصوص الشرعية الأخرى من حيث العموم والخصوص، والتقييد والإطلاق، ووجود ما يعارضه أو يعضده، ثم تحقيق مناط الحكم وهو معرفة الواقعة محلّ الإجتهاد معرفة دقيقة، ثم تقدير مآل الحكم هل يكون موافقًا لما قصده الشارع منه أم لا؟ وإذا لم يكن في الواقعة نصّ معيَّن بُحِثَ لها عن القاعدة العامة التي تنضوي تحتها وعن أشبه الأحكام بها. وتكون فائدة العلم بالمقاصد في الإجتهاد هي تحديد المعنى المراد من النص المحتمل، وترجيح إلحاق الواقعة بنظير يحقِّقُ مقاصدَ الشارع بَدَلَ إلحاقها بنظير آخر لا يحققها، والنظر في مآلات الأحكام بما لا يخرجها عن مقصود الشارع منها، والترجيح بين المصالح المتعارضة. (١)

وفيما يأتي بيان أهم وجوه الإستفادة من المقاصد للفقيه الناظر في النصوص

الشرعية، سواء في إعانته على فهمها، أو في تمكينه من حسن تنزيلها على الواقع.

أولًا - الإستعانة بالمقاصد في مسائل التعارض والترجيح:

ذلك أن حقّ المجتهد قبل إمضاء أي دليل لاَحَ له في مسألة من مسائل الفقه أن يبحث عن وجود المعارض، ليتأكد أن دليله هذا سَالِم من أن يُبطَل بأي دليل آخر: إمّا نسخًا، أو تخصيصًا، أو تقييدًا، أو رجحانًا عليه. وتكمن فائدة العلم بالمقاصد هنا في مناحي ثلاث: (٢)


(١) انظر المبحث الثاني من الفصل الأول من الباب الأول من هذا المبحث.
(٢) انظر محمد الطاهر بن عاشور: مقاصد الشريعة الإِسلامية، ص ١٢٠ - ١٢١.

<<  <   >  >>