للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

معذورٍ, إذْ ما نطق فيما لا يحيطُ علمهُ بالفرق بين الخطأ والصواب فيه". (١)

ومن هنا عُدَّ العلم باللغة العربية وثقافة أهلها شرطًا فيمن يتصدى لتفسير كلام الله تعالى وبيان المقصود منه، يقول الشيخ محمد الطاهر بن عاشور: "إن القرآن الكريم كلام عربي فكانت قواعد اللغة العربية طريقًا لفهم معانيه، وبدون ذلك يقع الغلط وسوء الفهم ... ونعني بقواعد العربية مجموع علوم اللسان العربي، وهي: متن اللغة، والتصريف، والنحو, والمعاني والبيان، ومن وراء ذلك استعمال العرب المُتَّبع من أساليبهم في خطبهم وأشعارهم وتراكيب بلغائهم، ويدخل في ذلك ما يجري مجرى التمثيل والاستئناس للتفسير من أفهام أهل اللسان أنفسهم لمعاني آيات غير واضحة الدلالة عند المولدين". (٢)

والمقصود بكون القرآن الكريم عربيًّا أنه عربيٌّ لفظًا ومعنى، بمعنى أنه لا يمكن أن يؤخذ منه من المعاني إلّا ما يقتضيه كلام العرب؛ إذ المعنى تابع لِلَّفْظِ وهو مدلوله، ولا يوصف كلام بكونه عربيًّا لمجرد موافقة رسمه رسمَ الخط العربي. فالنسبة إنما هي رابط بين شيئين، فإذا انعدم الرابط صارت النسبة افتراء، ومن ثَمّ فإن كلّ معنى يُنسب إلى لفظ أو تركيب وهو لا يحتمله لا يكون أولى من نسبة ضده


(١) الشافعي: الرسالة، ص ٥١ - ٥٣. وقد تم اختيار نقل هذا النص الطويل عن الإمام الشافعي لكونه من أهل اللسان العربي وحجة فيه. وقد أعاد الشاطبي صياغة كلام الشافعي هذا في كتابه الموافقات بما يزيده وضوحًا، حيث يقول: "فإن قلنا إن القرآن نزل بلسان العرب وإنه عربي وإنه لا عجمة فيه، فبمعنى أنه أنزل على لسان معهود العرب في ألفاظها الخاصة، وأساليب معانيها، وأنها فيما فطرت عليه من لسانها تخاطب بالعام يراد به ظاهره، وبالعام يراد به العام في وجه والخاص في وجه، وبالعام يراد به الخاص، والظاهر يراد به غير الظاهر - وكل ذلك يعرف من أول الكلام أو وسطه أو آخره، وتتكلم بالكلام ينبئ أوله عن آخره، أو آخره عن أوله؛ وتتكلم بالشيء يعرف بالمعنى كما يعرف بالإشارة؛ وتسمي الشيء الواحد بأسماء كثيرة، والأشياء الكثيرة باسم واحد، وكل هذا معروف عندها لا ترتاب في شيء منه هي ولا من تعلق بعلم كلامها. "فإذا كان كذلك فالقرآن في معانيه وأساليبه على هذا الترتيب. فكما أن لسان بعض الأعاجم لا يمكن أن يفهم من جهة لسان العرب، كذلك لا يمكن أن يفهم لسان العرب من جهة فهم لسان العجم؛ لإختلاف الأوضاع والأساليب". الشاطبي: الموافقات، مج ١، ج ٢، ص ٥٠ - ٥١.
(٢) ابن عاشور، محمد الطاهر: تفسير التحرير والتنوير، (تونس: دار سحنون للنشر والتوزيع، د. ط، د. ت)، ج ١، ص ١٨.

<<  <   >  >>