للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن أمثلة الخطاب الذي تبيِّن القرائن اللفظية المقصودَ منه قول الله تعالى: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (١٦٣)} [الأعراف: ١٦٣].

فصدر الآية، وهو قوله تعالى: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ} يُفهم منه أن السؤال عن القرية ذاتها، ولكن قوله بعد ذلك {إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ} قرينة لفظية دلّت على أن المراد السؤال عن أهل القرية؛ لأن ضمير الجمع في "يعدون" يصرف المعنى المراد عن القرية إلى أهلها، ولأن القرية لا تكون عادية ولا فاسقة. (١)

ثانيًا: المقام (السياق الإجتماعي) وأهميته في فهم المقصود من الخطاب:

سبق تعريف المقام بأنه حصيلة الظروف الإجتماعية والطبيعية والنفسية السائدة وقت صدور الخطاب، والتي يُتوقعّ أن يكون لها تأثير في صيغة الخطاب وتوجيهه وفهمه.

ومقامات الخطاب بما تشتمل عليه من علاقات اجتماعية وعقلية وذوقية وعاطفية وعُرفيّة -سواء بين طرفي الخطاب، أو بينهما واللغة نفسها- يجعلها من العسير على غير أبناء تلك البيئة واللغة الإحاطة بها والتفاعل معها، ولا يمكن الحصول على كلّ ذلك من مجرد قراءة تاريخ هذا المجتمع وأدبه، "ذلك بأن إطار الثقافة الإجتماعية لكلّ أمّة يفرض من تلك العلاقات والارتباطات بالمواقف وبالموضوعات ما لا يفهمه تمامًا إلّا الناشئون في المجتمع ذاته والثقافة ذاتها، ولو أن المتخصص الأجنبي تمكّن من تحصيل فهم الإرتباطات العقليّة أو حتى الاجتماعيّة بالموضوعات والمواقف فكيف يتسنى له مهما حاول أن يفهم الإرتباطات الذوقيّة والعاطفية في المجتمع". (٢)


(١) انظر الشافعي: الرسالة، ص ٦٢.
(٢) تمام حسان: اللغة العربية معناها ومبناها، ص ٤٢.

<<  <   >  >>