للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[باب التعزية]

مسألة: قال: وأحبُّ تعزيةَ أهلِ الميتِ رجاءَ الأجرِ بتعزيتهمْ.

وهذا كما قال. معنى التعزية هو ترغيب المصاب في الصبر وحثه عليه، والعزاء هو الصبر، والتعزية: هي التصبر، وهي سنة لأهل المصيبة، والأصل في ذلك ما روي أنه قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاءت التعزية، فسمعوا صوتاً من ناحية البيت وهو يقول: السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته إن في الله عزاء من كل مصيبة، وخلفاً من كل هالك، ودركاً من كل فائت، فبالله ثقوا، وإياه فارجو، فإن المصاب من حرم الثواب، ويقال: إنه كان الخضر - صلى الله عليه وسلم - جاء يعزي زوجات الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأهل قرابته، فسمعوا صوته ولم يروا شخصه يعزي الناس بعضهم بعضاً.

قال الشافعي: فأحب أن يقول: قائل هذا، ويترحم على الميت يدعو له ولمن خلفه، ثم الكلام فيها ثلاثة فصول: في وقتها وفي المعزي وفي لفظ التعزية.

فأما وقتها: فإنه من حين الموت في المنزل والمسجد وطريق القبر وبعد الدفن ومتى عزى فحسن. قال: وإذا [٣٥٢/ ٣] شهد الجنازة أحببت أن يؤخر التعزية إلى أن يدفن الميت؛ لأن بعد الدفن يكون الجزع أعظم والحزن أشد، فهو أولى بالتعزية. قال بعض أصحابنا: التعزية ثلاث إلا أن يكون صاحب المصيبة غائباً، واتفق رجوعه بعد الثلاث، فلا بأس بالتعزية، وذكر بعض أصحابنا: أنه إذا دفن انقطعت التعزية، وأن الشافعي قال: وأكره التعزية بعد الدفن. وأراد به التعود للعزاء اليوم واليومين على ما عليه الناس اليوم، وأما عقيب الدفن فلا يكره، وليس هذا بخلاف، قال سفيان الثوري: لا يعزى بعد الدفن بحال لأن الدفن خاتمة أمره، وهذا غلط لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من عزى مصاباً فله مثل أجره". رواه ابن مسعود ولم يفصل؛ ولأن الخوف عقيب الدفن أشد فكان بالتعزية أولى، وروى أبو هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من عزى ثكلى كُسِي برداً في الجنة" وهذا خبر غريب أورده أبو عيسى.

وأما من يعزي: قال: ويعزي الصغير والكبير والمرأة، إلا أن تكون شابة فلا أحب مخاطبتها، وتعزي الشابة [٣٥٣ أ/٣] محارمها، وينبغي أن يخص بها من الأهل من كان أضعف قلباً، وأضعفهم عن حمل المصيبة كيلا يتكلم بما يحبط أجره، ويعزي الأفاضل منهم والمنظور إليه فإنه إذا تعزى تبعه من دونه.

قال في "الأم": وأحب مسح رأس اليتيم وتدهينه وإكرامه وأن لا ينهر ولا يقهر فإن الله تعالى قد أوصى به، وسئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن التصافح في التعزية فقال: "هو سكن للمؤمن ومن عزى مصابا فله مثل أجره".

<<  <  ج: ص:  >  >>