للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو سلق" والسلق: النياحة لقوله تعالى: {سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} [الأحزاب: ١٩] ويقال: خطيب مسلق.

وروى أبو سعيد الخدري أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لعن النائحة والمستمعة". وأما البكاء المجرد يجوز ويباح لما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما مات ابنه إبراهيم أخذه في حجره وهو يدمع فقال: "تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون". وروى أسامة بن زيد أن بنت رسول [٣٥٥ ب/٣] الله - صلى الله عليه وسلم - أرسلت إليه أن ابني أو بنتي قد حضر فاشهد فأرسل يقرأ السلام. وقال: لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل ش ئ عنده إلى أجل مسمى، فمرها فلتصبر ولتحتسب. فعاد الرسول فقال ذلك: فأرسلت ثانياً تقسم عليه ليأتينها فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقام معه سعد بن عبادة. ومعاذ بن جبل فأتاها فوضع الصبي في حجره ونفسه تقعقع ففاضت عيناه فقال له سعد بن عبادة: نا هذا يا رسول الله؟ فقال: "هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده وإنما يرحم الله من عباده الرحماء". وروي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: شكا سعد بن عبادة شكوى له فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعوده مع عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود فلما دخل عليه وجده في غشيته فقال: قد مضى قالوا: لا يا رسول الله فبكى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما رأي القوم بكاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكوا فقال: "ألا تسمعون أن الله لا يعذب بأدمع الغير ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا - وأشار إلى لسانه - أو يرحم".

قال الشافعي: ويكره المأتم [٣٥٦ أ/٣] وهو الذي يجتمع فيه النساء والرجال، وإن لم يكن بكاء، وإنما كرهناه، لما جاء فيه من الإثم وتكلف المؤنة وتجديد الحزن، وقال في "الأم": فإذا مات أمسكن فاستحب قطع البكاء بعد الموت. وروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جاء يعود عبد الله بن ثابت فوجده قد غلب، فصاح به فسلم لحينه، فاسترجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: "غلبنا عليم يا أبا الربيع" فصاح النسوة يبكين فجعل ابن عتيك يسكتهن، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "دعهن فإذا وجبت فلا تبكين باكية" قالوا: وما الوجوب يا رسول الله فقال: "الموت". قال أصحابنا: والفرق بين ال حالين هو أن الذي شارف الموت إذا كان يرى علامات الموت على نفسه، ورأى فيمن حوله لا يبكون فربما ساءه ذلك، وإذا مات زال هذا المعنى، فإن علبه الدمع فذلم مما لا يملكه البشر، فلا يدخل تحت النهي، كما روي في خبر إبراهيم ابن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهكذا تنفس الصعداء وحزن القلب. وانكسار النفس لا بد منه بل ضد ذلك قسوة في القلب. وروي

<<  <  ج: ص:  >  >>