للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بصدقة الفطر إلى الذي يجمع عنده قبل الفطر بيومين" (١). فإن قيل: أنا أجوز هذا القدر من التقديم قيل: إذًا نقيس ما لا يسلم على ما يسلم فإنه ليس في هذا الفرق معه خبر ولا فيما روينا من الأثر في قريب التقديم منع من بعيده، وإذا ثبت القريب بالأثر أو بتسليمهم ثبت البعيد ولا فرق، وأما النظر فهو أنه قاسه على كفارة اليمين فقال: وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحالف بالله: "فليكفر عن يمينه وليأت الذي هو خير" (٢) فأمر بالحنث [٧٦ أ/٤] قبل التكفير لأن سبب وجوبها اليمين والحنث هو وقت لوجوبها، كما أن سبب وجوب الزكاة نصاب والحول وقت لوجوبها فكما جاز ذلك جاز هذا، وروي عن بعض الصحابة أنه كان يحلف فيكفر عن يمينه ثم يحنث ويقيس مع أبي حنيفة الكفارة على الزكاة كما قسنا مع ملك الزكاة على الكفارة، ومن أصحابنا من يستنبط منه الاستدلال على تعجيل الصدقة فقال: لما جاز أن يستعمل ممن لا تلزمه الزكاة قبل استحقاق هذا المسكين الزكاة ليقضي ما استعجل له مما يستحقه بعد ذلك من الزكاة فلأن يجوز أن يستعجل له الزكاة ممن تلزمه الزكاة ليحتسب ذلك عليه عند وجوب الزكاة، واستحقاقه أيامًا أولى، وأيضًا للزكاة طرفان موجب عليه وهو رب المال وموجب له وهو المسكين، فلما جاز أن يعجل للموجب له حقه قبل استحقاقه بأن يستقرض له ليقضي من ماله فكذلك يجوز أن يستعجل من الموجب عليه قبل الوجوب ما يحتسب له عند الوجوب، وأيضًا للزكاة طرفان موجب عليه وهو رب المال وموجب له وهو المسكين، فلما جاز أن يعجل للموجب عليه قبل الوجوب ما يحتسب له عند الوجوب، وأيضًا الفرض المعجل هو بدل والزكاة مُبدل فلما جاز تعجيل البدل عن الزكاة كان تعجيل المبدل وهو الزكاة أولى لأن المبدل أكمل حالًا من البدل فكان في هذا الخبر دلائل جواز تعجيل الصدقة وجواز قرض الحيوان والسلم، وأنه يجب عند القرض رد مثله ثم اعلم أنه [٧٦ ب/٤] المزني استبعد هذه الدلائل فقال: ونجعل في هذا الموضع ما هو أولى به أي: ما هو أقرب إلى الدلالة من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استسلف صدقة العباس قبل حلولها (٣) فقال له: هذا الخبر استدل به الشافعي في هذه المسألة وسبقك إليه وتمامه ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد بعث عمر بن الخطاب رضي الله عنه ساعيًا على الصدقات فلما رجع إليه شكا من ثلاثة نفر من عمه العبّاس وخالد بن زيد رضي الله عنهما وعبد الله بن جميل فذكر أنهم منعوا الزكاة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن العباس عمي استسلفنا منه صدقة عامين"، وروى له علي مثلها وأراد صدقة عامين، "وأما خالد فإنكم تظلمون خالدًا فإنه قد حبس أذراعه وأفراسه في سبيل الله" يعني أنه وقفها وكان ذلك مال زكاة يتجر فيها فلما وقفها لم تلزمه الزكاة بعد فيها، وأما ابن جميل فما ينقم من الله إلا أنه كان فقيرًا فأغناه الله


(١) أخرجه مالك في "الموطأ" (١/ ٢٨٥)، والشافعي في "المسند" (٦٨٢)، والدارقطني (٢/ ١٥٢)، وابن حبان (٣٢٨٨)، والبيهقي (٤/ ١٦٤).
(٢) أخرجه مسلم (١٧/ ١٦٥١)، وأحمد (٢/ ١٨٥، ٢٠٤، ٢١١)، وابن حبان (٤٣٣٢).
(٣) أخرجه الطبراني في "الكبير" (٩٩٨٥)، والبراز (١٤٨٢) - البحر

<<  <  ج: ص:  >  >>