للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تعالى: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: ١٨٥]، وهذه الآية الثانية بيان لا ناسخة، وقيل: أول ما فرض صوم يوم عاشوراء، وروي عن معاذ رضي الله عنه أنه قال: فرض الله تعالى أولاً صوم يوم عاشوراء ثم نسخه بشهر رمضان (١) وقيل: أول ما فرض صيام ثلاثة أيام من كل شهر وهو المراد بقوله تعالى: {أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ} [البقرة: ١٨٤] ثم نسخ بشهر رمضان وقيل: أول ما فرض صيام أيام البيض وفي وجهان: أحدهما: أنه الثاني عشر وما يليه والثاني: أنه الثالث عشر وما يليه وهو الأصح ثم نسخ [٢٥٦ أ/٤] بقوله تعالى: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: ١٨٥] وقيل: ما من أمة إلا وقد فرض عليهم شهر رمضان إلا أن اليهود تركوه إلى يوم واحد من السنة، والنصارى نقلوه إلى وقت وزادوا عشرة أيام ثم مرض ملكهم فزادوا عند شفائه عشرة أيام شكرًا لله تعالى فيصومون الآن خمسين يومًا، ولهذا قال تعالى: {ولِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ ولَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: ١٨٥]. يعني هداكم لهذا الشهر وضل عنه من كان قبلكم.

واعلم أن صفة الصوم في ابتداء الإسلام هو أن يمسك من حين يصلي العشاء الآخرة أو ينام إلى أن تغيب الشمس فإذا غربت الشمس حل الطعام والشراب إلى أن يصلي العشاء أو ينام والأصل في ذلك ما روي عن البراء بن عازب أنه قال: كان الرجل إذا صام فنام لم يأكل إلى مثله. وإن صرمة بن قيس الأنصاري أتى امرأته وكان صائمًا فقال: عندك شيء فقالت لا ولكني أذهب فأطلب لك فذهبت وغلبت عينه فنام فجاءت فقالت: خيبة لك وصام من الغد فلما انتصف النهار غشي عليه وكان يعمل في أرض فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ} [٢٥٦ ب/٤] إلى قوله: {وكُلُوا واشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ} [البقرة: ١٨٧] الآية (٢)، وروى ابن عباس رضي الله عنه أن رجلاً اختان نفسه فجامع امرأته وقد صلى العشاء فأنزل الله تعالى هذه الآية، وقوله تعالى {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ} [البقرة: ١٨٧] تفتعلون من الخيانة (٣). وقال أبو هريرة رضي الله عنه: أصاب عمر بن الخطاب أهله بعد العشاء الآخرة ونام حمزة رضي الله عنه قبل أن يشبع من الطعام ولم يستيقظ حتى صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء فأكل وشرب ثم أتيا النبي صلى الله عليه وسلم وأخبراه فأنزل الله تعالى هذه الآية فكأن ذلك عفوًا من الله تعالى ورحمته. واختلفوا لما سمي رمضان فقال ابن عمر: سمي بذلك لأن وجوبه وافق رمضان الحر فسمي رمضان من قولهم رمضت الفصال ورمضت الأرض إذا حميت، وقيل وهو الأولى: إنما سمي رمضان لأنه يرمض الذنوب أي: يحرقها، قاله أنس رضي الله عنه. ثم اعلم أن الله تعالى كان قد أوجب الصوم في الابتداء [٢٥٧ أ/٤] على التخيير بين الصوم والإفطار بالفدية فقال


(١) أخرجه البيهقي في "الكبرى" (٧٨٩٥).
(٢) أخرجه البخاري (١٩١٥)، والبيهقي في "الكبرى" (٧٩٠٠).
(٣) أخرجه البيهقي في "ألكبرى" (٧٩٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>