للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ذلك جائز لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة دوننا لأخبار جاءت فيه روى الشافعي منها واحدًا في هذا الباب بإسناده عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال فقالوا: يا رسول الله إنك تواصل أي: كيف تنهانا عن أمر أنت تفعله؟ فقال: "إني لن مثلكم إني أطعم وأسقى (١) "وروي: "أني أبيت يطعمني ربي ويسقيني "وقيل في ذلك معان.

أحدها: أنه كان يُطعم ويسقى من طعام الجنة.

والثاني: أنه أراد [٣٤١ ب/ ٤] إني على ثقة من أن يطعمني طعام الجنة.

والثالث: وهو الأصح معناه: إني أعطى قوة الطاعم والشارب، لأنه لو كان ذلك إطعامًا على الحقيقة لم يكن مواصلًا وقيل: أراد محبة ربي تمنعني من الطعام والشراب، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله لم يكتب عليكم صيام الليل فمن شاء فليُعن نفسه ولا أجر له (٢) " وروى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم واصل فواصلوا فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاهم فلم ينتهوا فقال: "لو أن الشهر مدَّ لي لواصلت وصالًا يدع المتعمقون تعمقهم إني لست مثلكم إني يطعمني ربي ويسقيني (٣) "ولأن فيه ضعفَا ومشقة في أداء الفرائض والعبادات فيكره ثم بيَن الشافعي جواز تخصيص رسول الله صلى الله عليه وسلم بحكم لا يشاركه فيه غيره من أمته فقال وفرق الله تعالى بين رسوله وبين خلقه في أمور أباحها له وحظرها عليهم، وفي أمور كتبها عليه وخففها عنهم، فإذا تقرر هذا فالوصال المكروه هو أن لا يطعم بالليل بين يومي الصوم ويستديم جميع أوصاف الصائمين فلو ذاق يئًا وإن قل [٣٤٢ أ/ ٤] فقد خرج عن الكراهة، ولو ترك الأكل بالليل لا على قصد التقرب ولا نوى أن يصوم من الغد لا يكون مواصلًا، ولو واصل من سحر إلى سحر جاز لما روى ابن المنذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر ".

فرع

هل هذا النهي نهي تحريم أم تنزيه؟ ظاهر كلام الشافعي أنه تحريم لأنه قال: فرق الله تعالى بين رسوله وبين خلقه في أمور أباحها له وحظرها عليهم فقد ذكر الوصال وهو ظاهر النهي في الخبر يدل على تحريمه، ومن أصحابنا من قال: النهي نهي تنزيه لأنه ترك أكل المباح فنهى عنه لما يلحقه من الضعف والمشقة وذلك لا يقتضي التحريم، وروي أن ابن الزبير كان يواصل وعلى كلى الوجهين لو خالف وفعل لم يكن بالليل صائمًا بل يكون مفطرًا ممسكًا لأن الفطر يحصل بدخول الليل نوى الإفطار أو لم ينو، وإذا أصبح من غده صائمًا صح صومه لأن النهي ما تناوله وإنما تناول ترك الأكل ليلًا.


(١) أخرجه البخاري (١٩٦٥، ٦٨٥١، ٧٢٤٢، ٧٢٩٩)، ومسلم (٥٨/ ١١٠٢)
(٢) أخرجه أبن أبي حاتم في "العلل"، (٦٥٦)، وابن عدي في "الكامل"، (٧/ ٢٧٢٥).
(٣) أخرجه مسلم (٥٩/ ١١٠٤)، والشافعي في "المستند" (٦٨٤)، وابن أبي شيبة (٣/ ٨٢)، والبيهقي في "الكبرى" (٨٣٧٧)، وفي "معرفة السنن" (٢٥٧٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>