للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَرْعٌ آخرُ

إذا قلنا: يبطل، هل يلزمه المضيّ على حكم البطلان؟ وجهان:

أحدهما: يلزمه كما في الوطء.

والثاني: لا يلزمه بخلاف الوطء لأن الواطء إذا قارن ابتداءه لا يمنع انعقاده، فإذا طرأ لا يقطعه بخلاف الردة، فعلى هذا لو عادّ إلى الإسلام ووقت الحج باقٍ له أن يستأنف الإحرام.

مَسْألَةُ: قال (١): والاستطاعة وجهان.

الفَصْلُ

لا خلاف بينَ العلماء أن الاستطاعةَ معتبرة في وجوب الحج، ولكن اختلفوا في كيفيتها [٤/أ]، فمذهب الشافعي إلى أن الاستطاعة قسمان:

أحدهما: أن يكون مستطيعًا ببدنهٍ بحيث يلزمه الحج بنفسه، وهو أن يكون قويًا يمكنه أن يثبت على المركبِ من غير مشقة فادحة، ويكون واجدًا للزاد والراحلة، فإن عدم أحدهما لا يجب عليه أن يحج ينفسه.

وقال في" الأم" (٢): وقد صار للنّاس محامل لم يكن، فإن أمكنه في غير محمل ولا يضرّ به ولا يشق عليه لزمه الحج، وإن كان ضعيفًا لا يمكنه الثبوت على القتب أو الزاملة، وثبت علي المحمل أو امرأة، فلا يلزمه إلا أن يجد محملًا. قال أصحابنا: وإن كان يلحقه مشقة غليظة في ركوب المحمل اعتبر في حقه وجود الكسبة لأن اعتبار الراحلة لما يلحقه من المشقة في الطريق، فإذا كان يلحقه المشقة في الراحلة اعتبر وجود ما يزول به المشقة. وأما الزاد فإن كان له أهل يلزمه أن ينفق عليهم، فلا يختلف المذهب أن زاده أن يجد نفقة نفسه في الطريق في ذهابه، ورجُوعهِ إلى بلده، ونفقة من تلزمه نفقته في مدة غيبته، وإنما قلنا كذلك لأن نفقتهم اّكد من الحج، فإن نفقتهم في كسبهِ، ولا يجب الحج في كسبه ونفقتهم مضيقة في الحال بخلاف الحج، ونفقتهم متعلقة بحقوق الآدميين، وهم أحوج إليها، وقد قال (صلي الله عليه وسلم):"كفي بالمرء إثمًا أن يضيعَ من يقوت" (٣)، وإن لم يكن له أهل، فلا يختلف المذهب أنه يعتبر ما يكفيه لذ هابهِ، وهل تعتبر نفقة رجوعه إلى بلده؟. اختلف أصحابنا فيه، منهم من قال: لا تجب حتى يجد ما يكفيه لرجوعه أيضًا، وهو ظاهرُ المذهب نص عليه في" الإملاء"، لأنه لا يكلفّ [٦/أ] الانقطاع عن وطنه، فإن فيه بعد، ولهذا يغرب الزاني. ومن أصحابنا من قالَ: يلزمه الحج لأنه واجد للسبيل، ولا ضرر عليه في الانقطاع عن وطنه لأن الرازق واحد في جميع البلاد. وقال بعض أصحابنا بخراسان: إن كان في بلده أحد من أقاربه يعتبر نفقة الرجُوع، وإن لم يكن فوجهان.


(١) انظر الأم (٢/ ٩٦).
(٢) انظر الأم (٢/ ٩٧).
(٣) أخرجه أبو داود (١٦٩٢)، والحاكم (١/ ٤١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>