للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

به، فقال: "فمن لم يدركه إلى الفجر من يوم النحر، فقد فاته الحج" ولا فرق بين الاقتصار على ذكر التسع، ثم إلحاق الليلة العاشرة بها، وبين ذكر العشر ثم استثناء اليوم العاشر منها إذ لو قال: وعشر من ذي الحجة لدخل يوم النحر تحت الجملة، ولاحتاج إلى الاستثناء يوم النحر لأنه ليس من وقت الحج، وإنما هو وقت بقايا مناسكه. فإن قيل: إذا دخل يوم عرفة تحت قوله: وتسع من ذي الحجة، فما معنى قوله بعده: وهو يوم عرفة، وهل هذا إلا إعادة الكلام المستغني عن إعادته؟ قلنا: مقصوده بإعادة هذه اللفظة تخصيص يوم عرفة بوقوع الحج فيه لأن الأيام التي قبله وقت الإحرام، وليست بوقت الوقوف فإذا دخل يوم عرفة دخل وقت الوقوف، وقيل: إنما أفردها لأن الإحرام يستحب قبلها ليبقى من النهار بعد إحرامه ما يقف فيه، أو أفردها لتعلق الفوات بها.

مسألة: قال (١): ولا يجوز لأحد أن يهل بالحج قبل أشهر الحج.

فإن أحرم به قبلها انعقد بالعمرة، ولا ينعقد بالحج كما لو أحرم بالظهر قبل وقتها ينعقد نافلة. وبه قال ابن عباس (٢) وجابر (٣) والأوزاعي وأحمد وإسحاق، وقال أبو حنيفة ومالك والثوري: ينعقد بالحج، ولكنه يكره، وبه قال أحمد، واحتجوا بقوله تعالى [٣/أ]: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ والْحَجِّ} [البقرة: ١٨٩]، فجعل جميع السنة للحج، وهذا غلط لقوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ} [البقرة: ١٩٧]، وتقديره وقت الحج، أو أشهر الحج، فحذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه، فلو كان جميع السنة، وقتاً له، ما كانت للمعلومات فائدة تظهر.

واحتج الشافعي بعد هذا بقول جابر وذلك أنه سئل: أيهل بالحج قبل أشهر الحج؟ فقال: لا، وأستأنس بقول عطاء لمن أحرم بالحج قبل أشهره: أجعلها عمرة (٤)، أي: ائت بأعمال العمرة، فإن إحرامك انعقد بها، وأما الآنية التي ذكروها دليلنا لأنها تقتضي أن يكون بعض للناس، وبعضها للحج، أو نحملها على هذا بدليل ما ذكرنا، وقال بعض أصحابنا بخراسان: إذا أحرم بالحج قبل أشهره لا ينعقد عمرة، لأن الشافعي يتحلل بعمل عمرة فحصل قولان:

أحدهما: ينعقد عمرة حتى لو كانت عليه عمرة الإسلام تسقط بهذه العمرة.

والثاني: لا تنعقد عمرة بل هو إحرام لا يصلح لحج، ولا لعمرة لأنه يصح حجاً، ولم ينو العمر فيتحلل بعمل العمرة من الطواف، والسعي والخلاف كمن فاته ولا يحتسب له، ومن أصحابنا من ذكر قولاً ثالثاً أنه انعقد في الجملة، فإن شاء صرفه إلى العمرة، ويصح العمرة عن عمرة الإسلام، وإلا فلا يصح، ومن أصحابنا من قال: لا تجزئ عن عمرة الإسلام قولاً واحداً، وحيث قال: تجزئ صورته أنه أطلق الإحرام، ولم يعين حجاً، ولا عمرة فيصرف إلى ما يصلح الوقت له، وهو العمرة والمشهور الأول، وهو المذهب.


(١) انظر الأم (٢/ ٤٧).
(٢) أخرجه البيهقي في "الكبرى" (٨٧١٩، ٨٧٢١).
(٣) أخرجه البيهقي في "الكبرى" (٨٧١٨).
(٤) أخرجه البيهقي في "الكبرى" (٨٧٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>