للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يجب الدم على المفرد [٣٥/أ] بالإجماع، ولكن يستحب له. وقال بعض أصحابنا: يستحب له سوقه مع نفسه إلى مكة، لأن أهل مكة إذا رأوا متمتعاً، أو قارناً، فرحوا به لعلمهم بأنه يذبح الهدى، وإذا رأوا مفرداً لم يفرحوا به، لأنه لا دم عليه، فإذا ساق الهدى مع نفسه أدخل السرور، وأما المتمتع، فيجب عليه الدم لقوله تعالى: {فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِن الهَدْيِ} [البقرة: ١٩٦] وأما القارن فيجب عليه الدم، وقال داود: لا يلزمه الدم. وروي ذلك عن طاوس، وقال الشعبي: يلزم القارن بدنة، وحكام بعض أصحابنا عن مالك، وهو غلط والدليل على بطلان قول داود قوله صلى الله عليه وسلم: "من قرن بين حج وعمرة فليهرق دماً" (١)، وروي مثله عن ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما، ولأنه إذا وجب الدم على المتمتع، لأنه جمع بين النكسين في وقت أحدهما، فلأن يجب على القارن، وقد جمع بينهما في الإحرام أولاً. وحكي ابن المنذر: أن ابن داود لما دخل مكة سئل عن القارن: هل يلزمه الدم؟ قال: لا، فجزوا برجله، وهذا لشهرة هذا الأمر بينهم.

وأما قول الشافعي (٢): "والقارن أخف حالاً من المتمتع" يحتمل أن يكون مراده تداخل الأعمال، فكأنه قال: إذا قرن بينهما كانت المشقة عليه أقل منها على المتمتع، وقد أوجبنا على المتمتع بالدم بالنص، فلأن يجب على القارن أولى، فيكون دليلاً على داود. وقيل: بين بهذا الاقتصار على جواز الشاة، وسقوط البدنة عنه، فكأنه قال: إذا لم يلزم البدنة على المتمتع مع استمتاعه بمحظورات النسكين بين العمرة [٣٥/ب] والحج، فالقارن الذي لا يستمتع حتى يفرغ منهما أخف حالاً أولى أن لا يلزمه البدنة، ويكفيه دم شاة، فيكون دليلاً على الشعبي. وهذا الذي نقله المزني ضرب من الترجيح، وإنما يحسن الترجيح بعد تقدم القياس الجامع، ولا عيب في ذلك على الشافعي، لأنه فرع من القياس، ثم اشتغل بالترجيح (٣)، فقال: ويجزئه أن يقرن ويهريق دماً قياساً على قوله تعالى: {فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الحَجِّ} [البقرة: ١٩٦] الآية، والقارن أخف حالاً من المتمتع، ثم بين الشافعي كيفية مشابهتهما، فقال (٤): المتمتع وصل الحج بالعمرة، فسقط عنه ميقات أحدهما، فلا يكون القارن أكثر من المتمتع فيما يجب عليه من الهدي، ففي أول المسألة إثبات الدم رداً على أصحاب الظاهر وفي آخر المسألة دليل صفة الدم رداً على من أوجب البدنة. والدليل على بطلان قولهما أيضاً ما روى عن عائشة رضي الله عنها، قالت: أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أزواجه بقرة، وكن قارنات (٥) فدل على وجوب الدم، وأن البدنة لا تجب.

مسألة: قال (٦): وإن اعتمر قبل الحج، ثم أقام بمكة حتى ينشئ الحج أنشأه من مكة.


(١) أخرجه أحمد (٢/ ٦٧)
(٢) (٣) (٤) انظر الأم (٢/ ١١٤).
(٥) أخرجه البخاري (١٧٠٩، ١٧٢٠)، ومسلم (١٢٥/ ١٢١١)، والنسائي (٤١٢٦، ٤١٢٧)، وابن ماجة (٣١٣٣).
(٦) انظر الأم (٢/ ٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>