للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الموضع، فيصير مذبحاً يؤدي إلى تنجيس المسجد، فلذلك صرف إحرامه إلى الحج ليكون محله بمنى عند الجمرة، فإنه المذبح المسنون.

ثم أن الشافعي طالب نفسه بإثبات تقديم حديث جابر وابن عمر وعائشة رضي الله عنهم في الإفراد على حديث أنس في القران، [٤١/ب] فإنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي بالحج والعمرة جميعاً يقول: "لبيك عمرة وحجاً، لبيك عمرة وحجاً" (١). فإن قال قائل (٢): فمن أين أثبت حديث عائشة وجابر وابن عمر دون حديث من قال: قرن؟ ثم أجاب، فقال: قيل لتقدم صحبة جابر للنبي صلى الله عليه وسلم وحسن سياقه لابتداء الحديث وآخره يعني أن جابراً أقدم صحبة من أنس، فإنه كان معتمراً في ذلك الوقت، وأنه استقصى في الرواية على ما ذكرنا بخلاف غيره. وروي عن جابر، قال: أهللنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج خالصاً لا يخالطه شيء (٣). قال (٤): ولرواية عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم معنى كل حديث روته عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورواه غيرها يرجح روايتها على رواية غيرها خاصة فيما صاحبت فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنها عنيت بالحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووقعت زيادة توفيق، وقد روى مسلم بن الحجاج: أن عائشة راجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث لتمام استفهام، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم يا موفقة"، قال (٥): وقرب ابن عمر منه يريد أن أخته حفصة كانت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم، فإن قيل: أليس الشافعي فصل قبل ذلك بين حديث جابر وطاوس وبين حديث عائشة وابن عمر لأن جابراً وطاوساً يرويان الإجمال في الإحرام، وعائشة وابن عمر، يرويان الإفراد صريحاً، فلما جاء إلى هذا الفصل جمع بين رواية هؤلاء الأربعة، فاختارها دون رواية الإفراد صريحاً، فلما جاء إلى هذا الفصل جمع بين رواية هؤلاء الأربعة فاختارها دون رواية من روى القران، [٤٢/أ] واشتغل بالترجيح، فكيف الجمع؟ قلنا: هؤلاء وإن اختلفت رواياتهم في آخر إحرام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد اتفقت رواياتهم في آخر إحرامه على أنه كان مفرداً، فحيث ميز الشافعي بعض روايات هؤلاء الأربعة عن بعض، فإنما قصد به أول إحرام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال (٦): ولأن من وصف انتظار النبي صلى الله عليه وسلم القضاء إذا لم يحج من المدينة بعد نزول فرض الحج طلب الاختيار، أي: كان بانتظاره للقضاء طلباً للاختيار فيما وسع الله تعالى له في الحج والعمرة يشبه أن يكون أحفظ، أي: الذي يرون مثل هذا يكون أحفظ من غيره، لأنه قد أتى بالمتلاعنين فانتظر القضاء كذلك حفظ عنه في الحج انتظار القضاء، وكان انتظار القضاء عادته في كثير من الأحكام، وهذا لأنه لا يعلم انتظاره للقضاء إلا بمراعاة حاله وكثرة مطالعته ومراقبته، فتكون روايته أولى فهذا بيان ترجيح رواية الإفراد.

ثم اختار المزني طريقة في المسألة، فقال (٧): "إن ثبت حديث أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قرن حتى يكون معارضاً للأحاديث سواه فأصل قول الشافعي أن العمرة


(١) أخرجه البخاري (١٥٦٢، ٢٩٨٦، ٤٣٥٣، ٤٣٥٤)، ومسلم (١٢١١/ ١٢٣٢).
(٢) انظر الأم (٢/ ٥٥).
(٣) أخرجه البخاري (٢٥٠٥، ٢٥٠٦)، ومسلم (١٢١٨)، وأبو داود (١٧٨٧)، وابن ماجة (٢٩٨٠).
(٤) انظر الأم (٢/ ٥٥).
(٥) انظر الأم (٢/ ٥٥).
(٦) انظر الأم (٢/ ٥٥).
(٧) انظر الأم (٢/ ٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>