للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أسوأ حالًا ممن ترك جميع النوافل فيبدأ بهما لقوتهما، وفضّل تأكدهما وكل موضع، قلنا: يبدأ بالصلاة، فإذا فرع منها طاف، فإن قيل: هلا أسقطتم الطواف كما إذا دخل المسجد، والإمام في المكتوبة فصلاها معه سقطت ركعتا التحية؟ قيل: لأن الصلاة والطواف جنسان مختلفان، فلم يتداخلا وركعتي التحية والصلاة المكتوبة جنس واحد فيتداخلان، ثم قال في "الأم" (١): ولا فرق بين الرجال والنساء في ذلك إلا امرأة لها [١٠٢/أ] شباب ومنظر، فأحبّ لها أن تؤخر الطواف حتى الليل ليستر الليل منها وهذا الطواف غير واجب، فإن تركه لا شيء عليه.

وقال أبو ثور هو نسك ويجب بتركه دم، وقال مالك: إن تركه مرهقًا مستعجلًا فلا شيء عليه وإن تركه مطيقًا يلزمه دم، وهذا غلط، لأنه لا يلزمه إعادته، فلا يكون نسكًا وإنما هو تحية على ما ذكرنا، فلا يجب الدم بتركه.

فرع

إذا أراد الطواف يستحبّ أن يبتدئ من الركن الذي فيه الحجر الأسود ثم يصنع خمسة أشياء أن يحاذيه ببدنه، والثاني أن يستلمه بيده، والثالث أن يقبّل بفيه، والرابع، أن يسجد عليه إن أمكنه، والخامس، أن يقول عند استلامه: بسم الله، والله أكبر إيمانًا بك، أي: أطوف إيمانًا بك وأراد بالتصديق بكتابه قوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ العَتِيقِ} [الحج: ٢٩]، وأراد بالعهد قوله تعالى: {ومَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إبْرَاهِيمَ إلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ} [البقرة: ١٣٠]، وقوله تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النحل: ١٢٣]، فإتباع ملّة إبراهيم من عهد الله تعالى إلينا ويريد بإتباع سنّة النبي محمد صلى الله عليه وسلم أنه قد ثبت عنه أنه طاف بالبيت، كما بينا، وإنّما يستحبّ ذلك لما روى عبد الله بن السائب ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: كلها هيئة لا محاذاة الحجر الأسود.

ورُوي أن عمر رضي الله عنه جاء إلى الحجر الأسود، فقبّله، ثم سجد عليه، ثم قال: لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله ما فعلته (٢).

فرع آخر

البداية بالحجر عند الطواف لشرفه. وروي جابر أن النبيّ صلى الله عليه وسلم بدأ بالحجر فاستلمه، وفاضت عينه من البكاء (٣). وروي نحو ذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما (٤). وروي ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم [١٠٢/ب] قال: "الحجر الأسود من الجنة، وهو أشد بياضًا من اللبن فسودته خطايا بني آدم" (٥). روي عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة طمس الله نورهما ولو لم يطمس


(١) انظر الأم (٢/ ١٤٥).
(٢) أخرجه البخاري (١٥٩٧)، ومسلم (٢٤٨/ ١٢٧٠).
(٣) أخرجه الحاكم (١/ ٤٥٥).
(٤) أخرجه الحاكم (١/ ٤٥٥).
(٥) أخرجه الترمذي (٨٧٧)، وابن خزيمة (٢٧٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>