للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والصديد, فإنه (يعفى) عن اليسير منها في الثوب, وإن كانت قدرًا لا يدركها الطرف لقلته فقال المزني: ما يدركها الطرف فقد فسد الماء, فمفهومه أنه إذا لم يدركها الطرف لا يفسد الماء, وقال في (الإملاء): فإن أصاب الثوب غائط, أو بول, أو خمر, أو تيقنه, أدركه الطرف, أو لم يدركه نجسه. وقال في موضع آخر: إذا وقع ذباب على بول أو خلاء رقيق, ثم وقع على الثوب غسل موضعه, واختلف أصحابنا في المسألة على خمس طرق:

إحداهما: يحكم بنجاستهما قولًا واحدًا؛ لأنه نص في الثوب على ما ذكرنا, فالماء أولى لأن الثوب أحسن حالًا في النجاسة من الماء؛ لأنه يعفي عن دم البراغيث فيه دون الماء, وليس له نص في الماء, وما نقله المزني ليس لكلامه دليل خطاب حتى يؤخذ به, وأيضًا إنما قال مما يدركها الطرف لتتحقق حصول النجاسة, فإن تحقق من دون إدراك الطرف ثبت حكم النجاسة أيضًا (١٩٤ أ/١).

والثانية: لا ينجس الماء ولا الثوب قولًا واحدًا, ذكره ابن سلمه, أما الماء فبدليل كلامه, وأما الثوب فلأنه أولى وهو أحسن حالًا من الماء, وقوله في (الإملاء): أدركه الطرف أو لم يدركه: معناه أنه لم يدرك في موضع وقوعه ولكن أدركه الطرف حين وثب إلى الثوب.

والثالثة: في الماء والثوب قولان: أحدهما: لا ينجسان؛ لأنه لا يمك الاحتراز منها في الغالب كأثر الاستنجاء دم البراغيث, والثاني: تنجسان لتحقق وصول النجاسة التي لا يعفى عنها إليهما.

والرابعة: الثوب تنجس بنص قوله: (والماء لا ينجس) بدليل, والفرق أن للماء قوة في رفع النجاسات عند الكثرة بخلاف الثوب, وقيل: هذا ظاهر المذهب وهو الصحيح.

والخامسة: على عكس هذا, وهو أن الماء تنجس دون الثوب؛ لأن الناس لا يحترزون من قضاء الحاجات في الصحاري, والغالب فيها أن الذباب يقع على النجاسة الرطبة, ثم يقع على الثوب ولا يدركها الطرف ويشق الاحتراز منها, فعفي عنها فيه كما عفي فيه عن قدر دم البراغيث, بخلاف الماء فإنه يمكن صونه عن النجاسات بتخمير الأواني وتغطيتها, وأيضًا فإنه إذا طارت الذبابة فالغالب أن رجلها تجف في الهواء, فإذا وقعت على الثوب ورجلها جاف (١٩٤ ب/١) لم تضر الثوب بخلاف الماء, فإنه يرطب رجلها فيؤثر فيه, وعلى هذا لو كان الثوب رطبًا فإنه تنجس الثوب, وعلى العلة التي قبلها لا ينجس وهذا حسن, ولكنه خلاف نص الشافعي, وعلى هذا قال بعض أصحابنا بخراسان: غلط المزني في قوله: مما يدركها الطرف في الماء, فإن الشافعي شرك ذلك في الثوب لا في الماء, وهذا خلاف صريح النص الذي ذكرناه وهو الصحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>