للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل

وهذا كما قال: جملة هذا أن الرهن ضربان: ضرب برهن في حق نفسه يكون مطلق التصرف فيما له في الحظ، وفيما لاحظ له فيه، وضرب برهن في حق غيره فنقول: [ق ١٦٨ ب] الناظر في حق الغير خمسة؛ الأب، والجد، والوصي من قبل أحدهما، والحاكم، وأمين الحاكم، وكلهم ولي أسباب الولاية تختلف فالأب والجد يليان أنفسهما، والوصي يلي من قبل أحدهما، والحاكم يلي من قبل الإمام، والأمين يلي عن الحاكم. وكذلك جهات التصرف تختلف فالأب والجد يختصان بأنه يجوز: لكل واحد منهما أن يرهن له من نفسه ويرتهن لنفسه منه، كما يجوز لهما ذلك في البيع والشراء، وليس ذلك لمن عداهما من الأولياء؛ لأن التهمة منتفية عنهما لكونهما كاملي الشفقة بخلاف غيرهما. فإذا تقرر هذا فالكلام في فصلين.

أحدهما: في الإرتهان، والثاني: في الرهن.

فأما الإرتهان فلا يخلو إما أن يكون في بيع أو قرض، فإن كان في بيع. قال الشافعي- رحمة الله تعالى-: "لا يجوز إلا أن يبيع فيفصل "وفيه مسائل:

أحدها: إذا كان له عبد يساوي مائة نقدًا فباعه إلى سنة، فإن باعه بمائة إلى سنةٍ فالبيع باطل سواء كان برهن أو بغير رهن؛ لأنه باعه بأقل من ثمنه، وإن باعه بمائة وعشرين بشرط أن تكون المائة نقدًا والعشرون إلى سنة جاز، لأنه فضل بغير غرر، وإن باعه بمائة وعشرين إلى سنة بغير رهن فالبيع باطل؛ لأن فيه غررًا. وإن باع برهن [ق ١٦٩ أ] ولا يسوي مؤجلًا أكثر من ذلك، فنص الشافعي أنه يجوز، وهو اختيار أبي إسحاق وجماعة، لأنه لا يمكنه أن يبيع فيفصل هكذا في غالب العادة، وقد أمرناه بالتجارة وطلب الربح.

ومن أصحابنا من قال: لا يجوز لأنه تغرير بماله معناه يأخذ رأس المال نقدًا والزيادة إلى سنة، فإذا جوزنا ذلك وأخذ رهنًا لم يجز حتى يشهد بالحق مع أخذ الرهن، ويكون المشتري ثقة مليًا يؤمن من جهته الجحود والعجز عن إبقاء الثمن في الظاهر. وقيل: يجوز للولي أن يبيع مال اليتيم ثمنًا بخمس شرائط؛ أن يكون في الثمن فضل، وأن يكون المشتري ثقة موسرًا، وأن يكون الأجل مقتصدًا غير بعيد؛ لأن في بعده تغريرًا بالدين. وحده بعض أصحابنا بالسنة حتى إن كان الأجل زائدًا على السنة لا يجوز؛ وأكثر أصحابنا على أنه لا يتقدر بل يعتبر فيه عرف الناس، وشاهد الحال لأنه يختلف باختلاف السلعة والعادات. وأن يأخذ منه رهنًا، والخامس: أن يشهد عليه على ما ذكرنا فلو أدخل بهذه الشهادة فوجهان:

أحدهما: يبطل البيع والرهن كما لو أخل بأحد الشروط الأربعة.

والثاني: لا يبطل لأنه تأكيد والرهن أقوى استئنافًا من [ق ١٦٩ ب] الشهادة ذكره في "الحاوي "وعندي لا يلزمه أخذ الرهن لأنه بخلاف عرف التجارة في زماننا، وإن كان

<<  <  ج: ص:  >  >>