للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحج، وهذا لا يصح. ولا فرق بين سفر الحج وغيره، ولو جاز أن يحمل هذا اللفظ في الحج على مسكنه لا على بلده لجاز أن يدعي مثل هذا في لفظ الخروج حيث قال: "ولو خرج بها مسافرًا" لأنه إذا خرج عن داره سمي خارجًا كما يسمى بمفارقة العمران خارجًا، وإذا حمل الخروج على الخروج من الدار وجب أن يحمل مزايلةً المنزل على الخروج من الدار، ويحمل كلاهما على الخروج من عمارةً البلد (ق ٩٤ ب) ولا وجه للفرق.

وقال أبو حنيفة: إذا طلقها أو مات، فإن كان بينها وبين منزلها دون مسيرةً ثلاثةً أيام يجب عليها الرجوع وإن كان مسيرةً ثلاثةً أيام فإن كان بينهما وبين الموضع الذي قصدته ثلاثةً أيام، فإن كان الموضع الذي هي فيه موضع إقامةً أقامت فيه، بأن يكون قريةً آهلة، وإن لم يكن موضع إقامةٍ كان لها أن تمضي إلى مقصدها. واحتج بأن إنشاء السفر الصحيح محرم عليها في منزلها فكان محرمًا عليها في سفرها. وهذا غلط؛ لأن العدةً وجبت عليها وهي مسافرةً فلم يلزمها الرجوع عن سفرها، كما لو كان بينها وبين مسكنها مسيرةً ثلاثةً أيام، ويفارق هذا إذا كانت في منزلها؛ لأنها لا تنشئ سفرًا وإن قل بخلاف ما لو كانت مسافرةً.

وحكي عن أبي حنيفةً أنه قال: إن كانت إلى البلد الذي خرجت منه أقرب يلزمها الرجوع، وإن كانت إلى البلد المقصود أقرب يلزمها المضي إليه، وإن بعدت من هذا البلد ولم تقرب من ذلك البلد تخيرت من الرجوع والمضي.

فإذا تقرر ما ذكرنا أنه لا يلزمها العود فهي بالخيار بين الرجوع والعود، فإن خرجت قال الشافعي: "ولا تقيم في المصر الذي أذن لها في السفر إليه إلا أن يكون أذن لها [في المقام] فيه أو النقلةً إليه فيكون ذلك عليها إذا بلغت ذلك المصر"

وجملته أن ينظر فيه، فإن كان أذن لها في السفر إلى الممر الذي قصدته لزيارة لا يخلو إما أن يكون جعل لها مدةً أو لم يجعل لها في ذلك مدةً، فإن لم يجعل لها مدةً قال الشافعي: "لم تقم فيه أكثر من مقام مسافرةً وهو ثلاثةً أيام". وإن جعل لها مدةً فيه قولان:

أحدهما: لا تقيم فيه أكثر من مقام صام وهو ثلاثةً أيام؛ لأنه لم يأذن لها في الإقامة (ق ٩٥ أ) المطلقةً، فصار كما لو أطلق الإذن.

والثاني: وهو الأصح أنها تقيم حتى تستوفي المدةً، وهو اختيار المزني؛ لأنها مدةً مأذون فيها فكان لها استيفاؤه، ألا ترى أن الشافعي أباح لها أن تخرج في سفرها إلى الغايةً التي تريدها؛ لأن هذه المدةً مأذون فيها فكذلك مدةً المقام.

ومن قال بالأول فصل بينهما بأن عليها مشقةً في الرجوع من الطريق ولا مشقةً عليها في ترك مدة المقام.

<<  <  ج: ص:  >  >>