للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقول الثاني: يحكم له بقوله، فعلى هذا تسمع الشهادة له بتقدم سلامته، ثم يستحلف معها على أنه لم يزل على السلامة إلى حين جنايته.

مسألة:

قال الشافعي رضي الله عنه: "وفي الجفون إذا استؤصلت الدية وفي كل واحد منهما ربع الدية لأن ذلك من تمام خلقته وما يألم بقطعه".

قال في الحاوي: أما جفون العينين فهي أربعة تحيط بالعينين من أعلى وأسفل، وتحفظهما من الأذى، وتجلب إليهما النوم، ويكمل بهن جمال الوجه والعين، وفيها إذا استوصلت الدية تامة. وقال مالك: فيها حكومة؛ لأن مقادير الديات موقوف على النص وليس فيها نص، ولأنها تبع للعينين فلم تجب فيها الدية الواجبة في العينين؛ لأن حكم التبع أخف من حكم المتبوع، ودليلنا ما رواه بعض أصحابنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل في كتاب عمرو بن حزم: "وفي الجفون إذا استؤصلت الدية". وليس بمشهور عند أصحاب الحديث، ولأنها من تمام الخلقة فيها منفعة وجمال تألم بقطعها، ويخاف على النفس من سراية الجناية عليها، فوجب أن تكمل الدية فيها كسائر الأعضاء ولا يمتنع، وإن كانت تبعًا أن تساوي متبوعًا في الدية إذا اختصت بزيادة جمال ومنفعة كالأنف في الشم، والأذنين في السمع، فإذا ثبت أن فيها الدية فسواء استؤصلت من صغير أو كبير أو بصير؛ لأن للضرير بها منفعة وجمالًا وإن كانت منفعة البصر بها أعم. فأما القود فإن أمكن فيها ولم يتعد ضرره إلى العينين وجب، وإن لم يمكن سقط، فإنه قلع جفنًا واحدًا ففيه ربع الدية؛ لأن كل ذي عدد من الأعضاء إذا كملت فيه الدية تقسطت على عددها كاليدين في تقسيط ديتها على الأصابع، وتقسط دية الإصبع على الأنامل وسواء كان الجفن أعلى أو أسفل، وفي الجفنين نصف الدية، وفي ثلاثة جفون ثلاثة أرباع الدية، فلو جني على عينيه فقطع جفونهما، وأذهب بصرهما لزمته ديتان: أحدهما: في الجفون، والأخرى: في العينين، كما لو قطع أذنيه وأذهب سمعه.

فصل:

فأما أهداب العينين وأشفارهما من الشعر النابت في أجفانهما ففيهما من المنفعة ذبها عن البصر، ومن الجمال حسن المنظر، وفيها إذا انتفت فلم تعد حكومة. وقال أبو حنيفة: فيها الدية، وليس بصحيح؛ لأن الدية تجب في قطع ما يخاف من سرايته ويؤلم في إبانته، وهذا معدوم في الأهداب وموجود في الجفون، فلذلك وجب في الأجفان دية، وفي الأهداب حكومة، فإن انتف أهدابه فعاد نباتها دون ما كانت ففيها من الحكومة أقل مما فيها لو لم تعد، فإن عاد نباتها إلى ما كانت عليه ففيها وجهان:

<<  <  ج: ص:  >  >>