للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد حكي عن الشافعي أن قال: أخذ المسمون السيرة في قتال المشركين من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأخذوا السيرة في قتال المرتدين من أبي بكر رضي الله عنه. وأخذوا السيرة في قتال البغاة من علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

فصل:

فإذا ثبت أنه يقدم قبل قتالهم سؤالهم عن سبب بغيهم واعتزالهم عن الجماعة، ثم مناظرتهم في حل ما اشتبه عليهم، فمتى أمل رجوعهم إلى الطاعة ودخولهم في الجماعة بالقول والمناظرة لم يتجاوزه إلى القتال، وإن يئس من رجوعهم بعد كشف ما اشتبه عليهم، جاز لإمام أهل العدل حينئذٍ قتالهم ومحاربتهم، وانقسمت أحوالهم في قتالهم ثلاثة أقسام:

أحدها: ما كان قتالهم عليه واجبًا.

والثاني: ما كان قتالهم عليه مباحًا.

والثالث: ما اختلف القول في وجوبه وإباحته.

فأما ما وجب قتالهم عليه: فهو بواحدٍ من خمسة أمور:

أحدها: أن يتعرضوا لحريم أهل العدل بإفساد سبيلهم.

والثاني: أن يتعطل جهاد المشركين بهم.

والثالث: أن يأخذوا من حقوق بيت المال ما ليس لهم.

والرابع: أن يمتنعوا من دفع ما وجب عليهم.

والخامس: أن يتظاهروا على خلع الإمام الذي قد انعقدت بيعته ولزمت طاعته.

روى عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من خلع يده من طاعة الإمام جاء يوم القيامة لا حجة له عند الله، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية".

وأما ما أبيح قتالهم عليه، وإن لم يجب: فهو أن ينفردوا عن الجماعة ولا يمتنعوا من حق، ولا يتعدوا إلى ما ليس لهم بحق، فيجوز للإمام قتالهم لتفريق الجماعة ولا يجب عليه قتالهم لتظاهرهم بالطاعة. وروى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من خرج عن الطاعة وفارق الجماعة فمات فميتته جاهلية".

وأما ما اختلف القول في وجوب قتالهم وإباحته: فهو إذا امتنعوا مع انفرادهم من دفع زكاة أموالهم الظاهرة وقاموا بتفرقتها في أهل السهمان منهم ففيه قولان:

أحدهما: وهو قياس قول الشافعي في القديم: إن قتالهم عليها واجب، إذا قيل فيها بوجوب دفعها إلى الإمام.

والثاني: وهو قياس قوله في الجديد: إن قتالهم عليها مباح وليس بواجب إذا قيل فيه: إن دفعها إلى الإمام مستحب وليس بواجب، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>