للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مسكر وأنه يجب عليه الحد وليس مراد الشافعي رضي الله عنه، ولكنه أراد أن الشارب إذا شرب وهو عالم بأنه مسكر ونحن لا نعلم فسكر بعض من شرب معه وجب عليه الحد، فإذا لم يعلم الشارب صفة الشراب إلا بعد الشرب فلا حد عليه، فإن قيل: أليس قال الشافعي رضي الله عنه في رواية الربيع: لو شرب شرابًا ولم يعلم أنه مسكر فسكر فعليه الحد؟ قلنا: هذه المسألة أيضًا من مشكلات الربيع وتأويلها عند مشايخنا الذين يرجعون إلى معرفة نصوص الشافعي رضي الله عنه أن يشرب الشراب ولا يعلم أنه مسكر في جنسه، فأما إذا جهل الجنس فلا حد عليه، واختلف أصحابنا في مسألة الكتاب فمنهم من ذهب إلى إطلاق هذا فقال: إذا أقر بشرب الخمر أو المسكر أقيم عليه الحد ولم يستكشف إلا أن يدعي ما يدرأ به الحد فيقبل، ومنهم من قال: لا يجب الحد حتى يقر بأنه شربها مع علمه بها وعلمه بتحريمها مختارًا غير مكره به وقال القاضي أبو حامد، وهكذا لو شهد شاهدان أنه شرب من إناء شرب منه غيره وسكر منه فعلى هذا الاختلاف، والأول أصح [١١٥/ أ] لأن الظاهر من فعله الاختيار والعلم كما لو شهد أنه باع يحمل على الطوع والصحة، فإن قيل: أليس لو قال الشهود: إنه زنا لم يقبل حتى يفسرا الزنا فلم لا يحتاجون إلى تفسير المسكر؟ قلنا: إنه زنا لم يقبل حتى يفسرا الزنا فلم لا يحتاجون إلى تفسير المسكر؟ قلنا: إن الزنا يعبر به عن الصريح بدواعيه ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اليدان تزنيان، والعينان تزنيان" وهما لا يسمى غير المسكر مسكرًا.

فرع

إذا وجده سكران أو شم منه رائحة المسكر أو تقيأ مسكرًا لا يجب الحد، وقال ابن أبي هريرة: أحده بالسكر إلا أن يدعي ما يسقط الحد، وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه جلد بالرائحة، وروي أن رجلين شهدا عند عثمان رضي الله عنه على الوليد بن عقبة فقال أحدهما: إنه شرب خمرًا، وقال الآخر: إنه تقيأها فقال عثمان: ما تقيأها حتى شربها، وقال لعلي: أقم عليه الحد، وقال ابن مسعود لرجل شم منه رائحة الخمر: لا أبرح حتى أقيم عليك الحد، والدليل على صحة قولنا؟ إنه يحتمل أنه شرب مكرهًا أو أكل تفاحًا أو شرب التفاح فإنه يكون منه كرائحة الخمر، وإذا احتمل ذلك لا يحد وقد روي عن عمر أنه شم من ابنه عبد الله رائحة الشراب فسأله فقال: شربت الطلا فقال: إني سائل عنه فإن كان مسكرًا حددتك ولم يحده بالرائحة، وقال عطاء: إن الريح [١١٥/ب] تكون من الشراب الذي ليس به بأس، ثم احتج الشافعي رضي الله عنه في التسوية بين الخمر والنبيذ بما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: لا أوتى بأحد شرب خمرًا أو نبيذًا مسكرًا إلا جلدته الحد.

<<  <  ج: ص:  >  >>