للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد رواه مع سفيان أسباط عن مطرف هذا وليس لهذين الإمامين مخالف في الصحابة فثبت بهما الإجماع.

ويدل علي من الاعتبار، أن كل إتلاف ضمن بالمباشرة ضمن بالشهادة كالأموال، ولأن الشهادة إلجاء، فوجب أن يضمن به النفوس بالقود كالإكراه.

فأما الجواب عن استدلال أبي حنيفة بأن الشهادة سبب يسقط به القود كحفر البئر، ففاسد بالإكراه، ثم حفر البئر لم يقصد به القتل فسقط به القود، والشهادة مقصود بهما القتل.

وأما الجواب عن استدلال مالك بالحاكم، فهو أن الحاكم لزمه الحكم بالشهادة فلم يضمن، والشاهد متبرع بالشهادة فضمن بها.

فصل:

فإذا تقرر أن الشهود بالقتل، لم يخل حالهم في الشهادة به إذا تغيرت من ثلاثة أقسام:

أحدهما: أن يشكو فيهما بعد استيفاء الحق بهما، أو يقولوا: لعلنا أخطأنا فيها فهذا قدح في الضبط لا يتغير به حكم الشهادة بعد نفوذ الحكم بها، ولا ضمان عليهم به، لأن الضمان لا يجب بالشك.

والثاني: أن يرجعوا جميعا عنها، فيسألهم الحاكم عن شهادتهم هل تعمدوها أو أخطأوا فيها؟ لاختلاف حكم العمد والخطأ في القتل، ولهم في الجواب عنه ثمانية أحوال:

أحدهما: أن يقولوا: عمدنا كلنا ليقتل بشهادتنا، فالقود علي جميعهم واجب لأنهم قتلة عمد.

والثانية: أن يقولوا: عمدنا كلنا وما علمنا أن الحاكم يقتله بشهادتنا، فهم أهل جهالة بمثله، فهذا منهم قتل عمد شبه الخطأ، ولا قود عليهم، ويؤخذ الدية منهم مغلظة لما فيه من العمد، ومؤجلة لما فيه من الخطأ.

والثالثة: أن يقولوا: أخطأنا كلنا، فعليهم دية الخطأ مخففة ومؤجلة، ويؤخذون بها دون عواقلهم، لوجوبها باعترافهم، والعاقلة لا تتحمل عنهم ما وجب باعترافهم إن لم يصدقوهم، فإن صدقوهم تحملوها عنهم.

والرابعة: أن يتفقوا علي أنه عمد بعضهم وأخطأ بعضهم، فلا قود علي العامد لمشاركته الخاطئ، وعلي العامد قسطه من الدية مغلظة حاله، وعلي الخاطئ قسطه من الدية مخففة مؤجلة.

والخامسة: أن يختلفوا فيقول بعضهم عمدنا كلنا، ويقول بعضهم: أخطأنا كلنا، فعلي من أقر بعمد جميعهم القود، وعلي من أقر بخطأ جميعهم قسطه من الدية مخففة ومؤجلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>