للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رب من أنضجت غظيا صدره ... قد تمنى لي موتا لم يطع

بأنه لم يرد لم يطع في التنمي، والإرادة، وإنما أراد تمني لي الموت، وأمر به فلم يطع.

وقد سلم أبو المعالي كون المندوب إليه مقتضى، وإنما تردد في كون كل مقتضى مأمورا به، أو يتخصص ذلك بالاقتضاء الجازم اللازم، فله أن يقول في مجاوبة المستدلين: إن طاعة امتثال الاقتضاء لا أكثر من ذلك، وهذا لو ركبه افتقر معه إلى طريقة أخرى في تصحيح ما قاله القاضي في كون الأمر، وقد استدل من أنكر كون المندوب إليه غير مأمور به بقوله عليه الصلاة والسلام في الصحيح: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك".

وقد علم أنه صلى الله عليه وسلم قد ندب إليه (ص ٨٦) فإن كان مندوبا إليه، لم يبق لقوله (لأمرتهم به) معنى، إلا أن يكون معناه: لأوجبته عليهم، فلولا أن المأمور به هو الواجب خاصة لما عبر عن هذا بهذا. والمخالفون لهم يحملون ذلك على أن المراد لأمرتهم أمرا جازما، ولو صرح بهذا التقييد لم يكن في الحديث استدلال، فإذا قدرناه محذوفا صار كالمصرح به.

[فصل في تضمين الأمر بالشيء النهي عن ضده]

هذه مسألة اشتهر خلاف الناس فيها، فذهب الأئمة من الأشعرية إلى أن الأمر بالشيء نهي عن ضده، وكأن الأمر له متعلقان متلازمان: اقتضاء الفعل، والإيقاع، والنهي عن الترك والاجتناب، وترك الفعل فعل آخر، وهذا الفعل الذي هو ترك ضد للمتروك هو المشهور من مذهب القاضي أبي الطيب، وصار في آخر أمره إلى أن الأمر ليس هو عين النهي عن الضد، ولكنه يتضمنه، وإلى هذه الطريقة يميل أكثر الفقهاء، وإن كانوا يخالفون القاضي في مسلك التضمين.

وذكر ابن خويز منداد عن مالك أنه يقول بدليل الخطاب، وأن قوله بدليل الخطاب يقتضي أن يقول في الأمر بمثل المقالة التي حكيناها عن الفقهاء.

وأما المعتزلة فإن المشهور من نقل أئمتنا عنهم أن الأمر ليس بنهي عن الضد، لا من جهة القول، ولا من جهة المعنى، وهذه الطريقة التي اختار أبو المعالي، ولكنه مع ذلك خالف الأشياخ في نقله عن المعتزلة، فنقل عنهم أنهم يرون تضمن الأمر للنهي عن الضد

<<  <   >  >>