للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

به، ولكن لا بد من تحرير المشكلة، فهُمْ في البداية قومٌ يعلمون، وفي النهاية تفصيلُ القول لقوم يعلمون.

ونجد النبي صلى الله عليه وسلم يحرص كل الحرص على دقة العبارة وتحري ذلك عند نقلها، إذ يقول: «من يَقُلْ عليَّ ما لم أقلْ .. فليتبوَّأْ مقعده من النار» (١).

لنرى بعد ذلك التنوُّع في تقسيم حديثه صلى الله عليه وسلم مراعاةً لهذه الناحية، واقتراباً من العبارة اليقينية التي نطق بها سيد الوجود عليه الصلاة والسلام.

وها هو ذا سيدنا الفاروق عمر رضي الله تعالى عنه يحضُّ على مسألة الفهم وبتأكيد كبير، إذ يقول لسيدنا أبي موسى الأشعري رضي الله عنه:

(الفهمَ الفهمَ فيما يختلج في صدرك مما لم يبلغك في القرآن والسنة، فتعرَّف الأمثال والأشباه، ثم قس الأمور عند ذلك، واعمد إلى أحبها إلى الله وأشبهها فيما ترى) (٢).

ولنصْغِ إلى الأديبِ البحرِ عمرو بن بحر الجاحظ وهو يحدِّث عن مسألة الفهم والإفهام إذ يقول: (وقال الله تبارك وتعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ}، لأن مدار الأمر على البيان والتبيُّن، وعلى الإفهام والتفهُّم، وكلما كان اللسان أبين .. كان أحمد، كما أنه كلما كان القلب أشد استبانة .. كان أحمد.


(١) البخاري (١٠٩).
(٢) رواه البيهقي في " السنن الكبرى " (١٠/ ١١٥).

<<  <   >  >>