للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأن الفساد من خاصة ماهيته. وهذا القسم من أصول التشريع عند الإمامين مالك وابن حنبل، وعليه بنيت أحكام كثيرة منصوص عليها مثل تحريم الخمر. والقياس أصل في هذا الباب.

والقسم الثاني ما يصير مآله إلى فساد كثيراً أو قليلاً. وهذا منه ما يكون سبباً للتشريع المنصوص عليه لمنع النبي - صلى الله عليه وسلم - بيع الطعام قبل قبضه، ومنه ما تكون وقائعه وصوره غير قائمة في زمن الرسول، ولكنها مما استَجدّ بعد ذلك. وقد اختلفت أنظار الفقهاء فيه؛ فربما اتفقوا على حكمه، وربما اختلفوا. وذلك بحسب مقدار اتضاح الإفضاء إلى المفسدة وخفائه، وكثرته وقلته، ووجود معارض ما، يقتضي إلغاء المفسدة وعدم وجوده، وتوقيت ذلك الإفضاء ودوامه. ومثال هذا بيوع الآجال التي لها صور كثيرة. قال مالك بمنعها لتذرّع الناس بها كثيراً إلى إحلال معاملات الربا التي هي مفسدة. فإن الاعتداد بالتهمة عند مالك قائم فيها، إذ ليس لقصد الناس تأثير في التشريع، لولا أن ذلك إذا فشا صار القصد مآلَ الفعل. وهو مقصود الناس فاستحلّوا به ما حرّم عليهم. ومن دقائق الفهوم ما اتجه إليه نظر إمام دار الهجرة: إذا كان المنع منها لأجل التهمة كان حقاً ألّا يُمنع ما صدر منها عن أهل الدين (١). وفي هذا إبطال لكلام الغزالي (٢). وإنما جعلت التهمة علامة على التمالي على إحلال المفسدة الممنوعة (٣).


(١) لعل مما يشير إلى هذا المعنى من تحكيم التهمة في سد الذرائع تعريف القاضي عبد الوهاب للذريعة إلى الفساد وذلك قوله: الذرائع هي الأمر الذي ظاهره الجواز إذا قويت في التطرّق به إلى الممنوع. الإشراف على مسائل الخلاف: ١/ ٢٧٥.
(٢) الفرق ١٩٤.
(٣) المقاصد: ٣٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>