للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وختم الشيخ ابن عاشور كلامه عن الذريعة بالتنبيه في مجال التفقّه والاجتهاد إلى التفريق بين الغلوّ في الدين، وبين سدّ الذريعة. وهي تفرقة دقيقة، لأن سدّ الذريعة موقعه وجود المفسدة، والغلو موقعه المبالغة والإغراق في إلحاق مباح بمأمور أو منهي عنه شرعاً بدعوى خشية التقصير. وهذا من التعمّق والتنطّع المذمومين شرعاً. وهو سبب ما يعرض لكثير من الناس من الوسوسة الذميمة. ولهذا انتهى في تحرير هذا الموضوع إلى القول بأنه يجب على المستنبطين والمفتين أن يتجنّبوا مواقع الغلو والتعمّق في حمل الأمة على الشريعة وما يسنّ لها من ذلك (١).

ومما سبقت الإشارة إليه نعلم أن سدّ الذرائع أصل من الأصول المعتمدة في التشريع. أخذ به المالكية والحنابلة، كما قدمنا، مستدلين بقوله - عز وجل -: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} (٢)، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا} (٣)، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" (٤).

وذكر ابن رشد أن أبواب الذرائع في الكتاب والسُّنة يطول ذكرها ولا يمكن حصرها. وقال ابن القيم: ولو أباح الرب الوسائل والذرائع المفضية إلى الشيء المحرّم لكان ذلك نقضاً للتحريم وإغراء للنفوس به، وحكمةُ الشارع وعلمُه يأبى ذلك كلَّ الإباء (٥).

وأنكر الحنفية والشافعية الأخذ بقاعدة سدّ الذرائع. وقالوا:


(١) المقاصد: ٣٤٢.
(٢) سورة الأنعام، الآية: ١٠٨.
(٣) سورة البقرة، الآية: ١٠٤.
(٤) تَ: ٤/ ٦٦٨.
(٥) إعلام الموقعين: ٣/ ١٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>