للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال الشاطبي في موافقاته: لا يمكن إقامة دليل من الشريعة على إبطال كل حيلة، كما أنه لا يقوم دليل على تصحيح كل حيلة. فإنما يبطل منها ما كان مضاداً لقصد الشارع خاصة. وهو الذي يتفق عليه جميع أهل الإسلام، ويقع الاختلاف في المسائل التي تتعارض فيها الأدلة (١).

وعرّف الفقهاء الحيل المشروعة والجائزة فقالوا: هي التي تكون وسيلتها مشروعة وغايتها كذلك.

وقصر الشيخ ابن عاشور كلامه على الحيل غير المشروعة وغير الجائزة. وقد سبق تعريفه لها في كتابه (٢). وحمله هذا الاتجاه على تأويل ما وقع من الحيل المشروعة مما اشتمل عليه الكتاب والسُّنة. وأكثرَ الفقهاءُ من ترديد ذكر الحيل في كتبهم ودواوينهم. يقول الإمام الأكبر: فأما ما كان وارداً في آثار شريعتنا فمخارجه ظاهرة، ومن ذلك:

ما رخّص فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - مما كان وقوعه في مبدأ التشريع، مثاله ما روي في الموطأ وصحيح مسلم: أنه لما أُبطل التبنّي وكان سالم مولى أبي حذيفة متبنّىً لأبي حذيفة، جاءت سهلة بنت سهيل زوج أبي حذيفة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله! إن سالماً يدخل علينا وأنا فضل، وليس لنا إلا بيت واحد. فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أرضعيه تحرمي عليه". فقالت: يا رسول الله كيف أرضعه وهو كبير؟ فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: "قد علمت أنه رجل كبير". فقال نساء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: والله ما نرى هذا إلا رخصة أرخصها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لسالم خاصة. وأَبَيْنَ أن يدخل عليهن أحد بهذه الرضاعة (٣).


(١) المقاصد: من كتاب الموافقات: (٣) ٢/ ٣٣٧.
(٢) المقاصد: ٣١٧.
(٣) انظر المقاصد: ٣٣١ - ٣٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>