للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتصوّره أهل الجاهلية في الأزمان القديمة البعيدة، لأن العقد في تصوّرهم شبه تمليك. وهو ليس أجراً للمنفعة المنضبطة عند الفقهاء. وتكون المنفعة المقصودة من العَقد غيرَ قابلة لتحديده، ولكنه العطيّة المحضة أو النِحلة كما سماها القرآن في قوله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} (١)، وقوله: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} (٢). وفي هذه الآية تأكيد لما اشتهر بين الفقهاء من أن النكاح مبني على المكارمة، بخلاف البيع فهو مبني على المكايسة (٣).

وعلّل الشيخ ابن عاشور هذا الشرط في العقد بألا تفقد المرأة خفرها، وتتولّى بذاتها الركون إلى الرجل دون علم ذويها. فالمرأة حين يتولّى وليُّها الأقربُ أو الأبعدُ، الخاص أو العام، تزويجَها يتّضح القصد الشرعي من اشتراط الولي في العقد، وهو أن يكون عوناً على حراسة جمالها وحصانتها، وأن تكون عشيرتُه وأنصاره وعائلته وجيرانُه عوناً له في الذبِّ عن ذلك (٤).

وذهب أبو حنيفة دون صاحبيه إلى ذلك في نكاح الصغير والمجنون والرقيق لا في الحرّة البالغة بكراً كانت أو ثيّباً؛ لأن النكاح ينعقد برضاها، ولأن لها التصرّف في خالص حقها، وهي من


(١) سورة النساء، الآية: ٤.
(٢) سورة النساء، الآية: ٢٠.
(٣) المكايسة في اصطلاح الفقهاء: عَقد معاوضة على غير منافع ولا مُتعةِ لذَّةٍ، ذو مكايسة، أحدُ عوضيه غير ذهب ولا فضة، معيّنٌ غير العين فيه. الرصاع. حدود ابن عرفة: ١/ ٣٢٦.
(٤) المقاصد: ٤٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>