للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والاستبضاع لوثوق الناس في جاهليتهم بهذا النسب، ولأن الثقة بالنسل قبل تحديد قواعد الإسلام في النكاح موكولة إلى ما في الجبلة من إباية الناس التحاق من ليس منهم بأنسابهم. ولكون أصناف المقارنة الواقعة في الجاهلية قد اختلط نادرها بغالب الأنساب الصحيحة، ووثق أهلها بالأنساب الملحقة بهم من جرائها.

ومن أجل الحفاظ على حرمات البيوت والأنساب سكتت الشريعة عما اعتمده واعتاده أصحاب الجاهلية، وارتضت لهم ما ارتضوه لأنفسهم، قبل أن يُضبط النكاح على الوجه الشريف الكامل، وما حفّ به من اهتمامات وسلوكيات لم تُبق لغيره من الأنواع حظاً ولا وجوداً معتبراً. وأُلحق التسرّي في صحّة النسب، وارتفعت منزلة أم الولد عن أن تكون مجردَ أَمَة.

ومن أحكام آصرة النسب مَنعُ الشريعة الزوجَ الحر من التزوج بالأمة إذا كان ذا طولٍ. وورد في هذا قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} (١) دفعاً لما في اجتماع سِيادتَين على المرأة من شبه تعدّد الرجال. ومن القصد الأول عند الشيخ ابن عاشور أن صدق انتساب النسل إلى أصله سائقٌ النسل إلى البرّ بأصله، كما هو سائق الأصلَ إلى الرأفة والحنوِّ على النسل سوقاً جبلياً. ولهذا المطلب بل المقصد معنى عظيم نفساني من أسرار التكوين الإلهي علاوة على ما فيه من إقرار نظام العائلة، ودرء أسباب الخصومات الناشئة عن الغيرة المجبولة عليها النفوس، وكذلك رفع الشك عند الأصول في انتساب النسل أو عدمه إليها.


(١) سورة النساء، الآية: ٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>