للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي سورة التوبة يقول جل وعلا: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (١) وفي هذا بيان من الله للناس لما وعدهم به عند أمرهم بالزكاة من تنقية لقلوب المتصدّقين من الآثام، ومغفرة لهم، وشرح لصدورهم، وتنمية للخير بينهم، معقباً ذلك كله بأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - بالدعاء لهم بتسكين نفوسهم وملئِها طمأنينة وأمناً، واعداً بفيض من بركات الله ورحماته عليهم.

ولعلّ مما يوقع الناس في الضلال والغفلة موازنتُهم السطحية بين سلبية الزكاة المتمثلة فيما ينقص من أموالهم أو يقتطع منها بسببها، وبين إيجابيتها المتمثلة في الزكاء والنماء والطُّهرة والإخلاف والمثوبة من الله لمن بذلها وأدّاها، عن رضا وطواعية.

وقد أبدع في تصوير التعامل مع المال على وجه العموم الإمام الزَّبيدي في حديثه عن الساهين عن الحق الغافلين عن الواجب بقوله: "اعلم أن الله تعالى أوجد أعراض الدنيا بُلغة فاتخذها الناس عُقدة، وصيّر الدنيا مرتحلاً وممراً فصيروها موطناً ومقراً. ومِن وجهِ مِنحة مُنحت للإنسان لينتفع بها مدة ويذرَها لينتفع بها غيرُه من بعده، ومن وجه وديعة في يده رخّص له استعمالُها والانتفاع بها بعد ألا يسرف فيها، لكن الإنسان لجهله ونسيانه لَمَّا عُهد إليه اغترّ بها وظنّ أنها جعلت له هبة مؤبّدة. فركن إليها واعتمد عليها، ولم يؤدِّ أمانةَ الله فيها، ولَمَّا طولب بردّها تضرّر منه وضجر. فلم ينزع عنها إلا بنزع روحه أو كسر يده. وبعضهم - وهُم الأقلون - حفظوا ما عُهد إليهم بها. فتناولوها تناول العارية والمنحة والوديعة فأدّوا فيها الأمانة،


(١) سورة التوبة، الآية: ١٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>