للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البرهان من قوله: وهذا لا بد أن نتكلف له مَحْمَلاً، ونبين له وجهاً. ثم نزيّفه، إذ لا يُظَنُّ بذي عقل أن يقول: الاجتهادات الواقعة في أصل الملل والنحل، كالاجتهادات الواقعة في المظنونات حتى يصوّب فيه كل مجتهد. وفي هذا انسلال من الدين بالكلية، وكيف يعتقد ذلك والعلم بأحد الجانبين أو ما يعارضه جهل، فكيف يعتبر الجاهل مصيباً؟. والقول الحق في هذه القضية أن مَطالِب الخلقِ الوصول إلى الحق، ولكن اكتفي منهم بعقدٍ هم عليه مصمّمون. فإذا خاضوا في طلب الحق، ولم يحتمل عقلهم إلا ما اعتقدوه فيُعذرون على اعتقادهم. والذي يُستند إليه في نهاية هذا التقرير: أن الأعراب في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا يسألون. والرسول - صلى الله عليه وسلم - يعلمهم تفاصيل أحكام الشريعة. ولم يطالبوا وراء ذلك بأعمال الفكر والنظر، فيتبين من مجموع ذلك أن الخطأ في أمر لم يكلف بأصله سهل المدرك، وهكذا يكون المصيب واحداً في المعقولات.

° واختُلف في المظنونات. والحق أن المصيب واحد، لأن في القول بتصويب المجتهدين كلهم سَفسطة في أوله وزندقة في آخره. وهذا هو المشهور من كلام الشافعي (١).

° وانقسم القائلون بالتصويب فريقين: الأول: هم المقتصدون الذين يعتبرون الوقائع العريَّة عن النصوص والإجماع ليس لله فيها حكم معين، ولكنها موكولة إلى الطلب والاجتهاد. فإذا غلب على ظن المجتهد أمر فحكم الله فيه اتباع غلبة ظنه وموجبه.

الثاني: الغلاة وهم القائلون بأن الناس غير مطالبين بالاجتهاد فلا اجتهاد. ويفعل المكلف ما يختار أيَّ الطرفين يشاء (٢).


(١) البرهان: ١٢١٩، عدد ١٤٦٢.
(٢) البرهان: ١٢٢٠، عدد ١٤٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>