للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العلماء. [فجميع المناصب الدينية فوَّضها الله تعالى إليه في رسالته. وهو أعظم من كل من قد تولّى منصباً منها في ذلك إلى يوم القيامة] (١). فما من منصب ديني إلّا وهو متَّصف به في أعلى رتبة، غير أن غالب تصرفه - صلى الله عليه وسلم - بالتبليغ، لأن وصف الرسالة غالب عليه. ثم تقع تصرّفاته - صلى الله عليه وسلم -: منها ما يكون بالتبليغ والفتوى إجماعاً؛ ومنها ما يجمع الناس على أنه بالقضاء؛ ومنها ما يجمع الناس على أنه بالإمامة؛ ومنها ما يختلف العلماء فيه لتردّده بين رتبتين فصاعداً. فمنهم من يغلب عليه رتبة، ومنهم من يغلب عليه أخرى.

ثم تصرّفاته - صلى الله عليه وسلم - بهذه الأوصاف تختلف آثارها في الشريعة. فكل ما قاله أو فعله على سبيل التبليغ كان ذلك حكماً عاماً على الثقلين إلى يوم القيامة. فإن كان مأموراً به أقدم عليه كل أحد بنفسه، وكذلك المباح. وإن كان منهياً عنه اجتنبه كل أحد بنفسه. وكل ما تصرّف فيه عليه السلام بوصف الإمامة لا يجوز لأحد أن يُقدِم عليه إلا بإذن الإمام، [اقتداء به عليه السلام] (١)، ولأن سبب تصرّفه فيه عليه السلام بوصف الإمامة دون التبليغ يقتضي ذلك. وما تصرّف فيه - صلى الله عليه وسلم - بوصف القضاء لا يجوز لأحد أن يُقدِم عليه إلا بحكم حاكم، لأن السبب الذي لأجله تصرّف فيه - صلى الله عليه وسلم - بوصف القضاء يقتضي ذلك.

وهذه هي الفروق بين هذه القواعد الثلاثة. وتحقيق ذلك بأربع مسائل:

المسألة الأولى: بعث الجيوش، وصرف أموال بيت المال


(١) الجملة بين العاقفتين مستدركة، انظر: القرافي. الفروق: ١/ ٢٠٥ - ٢٠٦. وانظر الإحكام: (٢) ١٠٩ - ١٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>