للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غسله هي بقاء دمه في جروحه يبعث بها يوم القيامة. وليس كذلك، لأنه لو غسل جهلاً أو نسياناً أو عمداً لما بطلت تلك المزية، ولجعل الله له في جرحه دماً يَثْعَبُ شهادة له بين أهل المحشر. ولكن علّة النهي هي أن الناس في شغل عن التفرّغ إلى غسل موتى الجهاد. فلمّا علم الله ما يحصل من انكسار خواطر أهل الصفّ - حين إصابتهم بالجراح من بقاء جراحتهم، ومن دفنهم على تلك الحالة، وعلم انكسار خواطر أهليهم وذويهم - عوّضهم الله تلك المزية الجليلة. فالسبب في الحقيقة معكوس، أي السبب هو المسبّب والمسبّب هو السبب.

وكذلك الأمر بستر العورة للذي يصلي في خلوته (١)، فإن ذلك للحرص على عدم الاستخفاف بالعادات الصالحة تحقيقاً لمعنى المروءة وتعويداً عليها.


= وأمر بدفنهم ولم يصلَّ عليهم ولم يغسلوهم. وقال - صلى الله عليه وسلم -: "ادفنوهم في دمائهم" يعني يوم أحد ... وفي رواية عنه أنه قال في قتلى أحد. وجاء حديث جابر من وجه آخر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال فيهم: "لا تغسلوهم فإن كل جرح أو كل دم يفوح مسكاً يوم القيامة" ولم يصل عليهم، وإنما كانت صلاته عليهم دعاء لهم. ابن حجر. الفتح: ٣/ ٢١٢، ٧٤.
(١) وهو ما عناه خليل بقوله: وإن بخلوة، ستر العورة من واجبات الصلاة. وشرط فيها مع الذكر القدرة. وفي تعليل الحكم جاء في بدائع الصنائع الأمر بها في قوله تعالى: {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} الأعراف: ٣١، وفي الحديث: "لا صلاة للحائض إلا بخمار"، وإجماع الأمة، ولأن ستر العورة حال القيام بين يدي الله سبحانه من باب التعظيم وأنه فرض عقلاً وشرعاً، وإذا كان الستر فرضاً كان الانكشاف مانعاً جواز الصلاة ضرورة. الحطاب. مواهب الجليل: ١/ ٤٩٧؛ الكاساني. البدائع: ١/ ١١٦ - ١١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>