للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد لاح من التعريف أن المصلحة قسمان:

مصلحة عامة: وهي ما فيه صلاحُ عموم الأمة أو الجمهور، ولا التفاتَ منه إلى أحوال الأفراد إلّا من حيث إنهم أجزاء من مجموع الأمة، مثل حفظ المتموّلات من الإحراق والإغراق. فإن في بقاء تلك المتموّلات منافع ومصالح، هي بحيث يستطيع كل من يتمكّن من الانتفاع بها نوالها بالوجوه المعروفة شرعاً. فإحراقها وإغراقها يفيت ما بها من المصالح عن الجمهور. وهذا هو معظم ما جاء فيه التشريع القرآني. ومنه معظم فروض الكفايات، كطلب العلم الديني والجهاد وطلب العلم الذي يكون سبباً في حصول قوة للأمة.

ومصلحة خاصة: وهي ما فيه نفع الآحاد باعتبار صدور الأفعال من آحادهم ليحصل بإصلاحهم صلاح المجتمع المركب منهم. فالالتفات فيه ابتداء إلى الأفراد، وأما العموم فحاصل تبعاً. وهو بعض ما [جاء] به التشريع القرآني، ومعظم ما جاء به في السنة من التشريع. وهذا مثل حفظ المال من السرف بالحجر على السفيه مدة سفهه (١). فذلك نفع لصاحب المال ليجده عند رشده أو يجده وارثه من بعده وليس نفعاً للجمهور.

ويحق على العالِم أن يغوص برأيه في تتبع المصالح الخفية. فإنه يجد معظمها مراعًى فيه النفع العام للأمة والجماعة، أو لنظام العالم. مثل الدية في قتل الخطأ فإنها وجبت على القرابة من القبيلة (٢)، وليس


(١) وذلك عندما يكون منه تبذير المال على خلاف مقتضى الشرع أو العقل. وهذا كالإسراف في النفقة، وأن يتصرف تصرفات لا لغرض، أو لغرض لا يعده العقلاء من أهل الديانة غرضاً، والغبن في التجارات من غير محمدة قول الصاحبين والشافعي. ابن عابدين: ٥/ ١٩٢.
(٢) الدية ترضية لأهل القتيل. والأحق بها الأقرب، وهم ورثة القتيل على حسب الميراث، وتجب على العاقلة وهي القرابة من القبيلة. تجب على الأقرب فالأقرب بحسب التقدم فى التعصيب. وأكثر ما ورد في السُّنة من =

<<  <  ج: ص:  >  >>