للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومسايرة التقدم والرقي، بالأخذ بأسباب النهضة والقوّة، يراجع نفسه ويتحسّر على ما فاته بسبب ما مسّ التعليم الإسلامي من الوهن قائلاً: "وإنّي على يقين أنَّنِي لو أتيح لي في فجر الشباب التشبّع من قواعد نظام التعليم والتوجيه لاقتصدت كثيراً من مواهبي، ولاكتسبت جمّاً من المعرفة، ولسَلِمت من التطوّح في طرائق، تَبيّنَ لي بعد حينٍ الارتدادُ عنها. مع أني أشكر ما منحت به من إرشاد قيّم من الوالد والجَد ومن نصحاء الأساتذة. ولا غِنى عن الاستزادة من الخير (١).

ثم وهو في أول مراحل التدريس يعلّم طلابه مبادىء العربية وقواعد المنطق يشعر بالحيدة عن الحق، ويقوم مع الشيخ محمد الخضر حسين صديقه بنقد ذاتي، يستشعران به في دروسهما إضاعة الأوقات النفيسة عليهما، وعلى من وكل أمرهم إليهما بالتلقّي عنهما من الطلاب. فكتب الشيخ الخضر في رحلته الجزائرية مقالات صرّح فيها بأنّه كان ممّن ابتُلي في درسه باستجلاب المسائل المختلفة الفنون، متوكئاً على أدنى مناسبة، حتى أفضى الأمر إلى ألّا يتجاوز في درسه شطر بيت من ألفية ابن مالك مثلاً. فتراجع قائلاً: ثم أدركت أنها طريقة منحرفة المزاج عن الإنتاج (٢).

وقال الشيخ ابن عاشور: وأنا عرَض لي مثل ذلك في تدريس المقدمة الآجُرُّومية. فكنت آتي في دروسي بتحقيقات من الشاطبي على الألفية، وفي درس مقدمة إيساغوجي أجلب مسائل من النجاة لابن سينا. ثم لم ألبث أن أقلعت عن ذلك (٣).


(١) محمد الطاهر ابن عاشور. أليس الصبح بقريب: ٩.
(٢) مجلة السعادة العظمى: تونس، عدد ١٩، شوال ١٣٢٣: ٣٠٠.
(٣) محمد الطاهر ابن عاشور. أليس الصبح بقريب: ١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>