للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شيوعها وانتشارها، فحصلت بها المفسدة التي لأجلها حرّم الربا. فذلك هو وجه اعتداد مالك بالتهمة فيها، إذ ليس لقصد الناس تأثير في التشريع، لولا أن ذلك إذا فشا صار القصد - مآل الفعل - هو مقصوداً للناس فاستحلوا به ما منع عليهم.

ولم أر من فهم هذا المعنى من نكت مالك، حتى أن بعض حذاق الفقهاء يقول: إذا كان المنع منها لأجل التهمة كان حقاً أن لا يمنع ما صدر منها عن أهل الدين والفضل. كما أشار إليه القرافي في الفرق الرابع والتسعين والمائة (١)، وليس كما ظن. فإن المقاصد لا تأثير لها في اختلاف التشريع، وإنما جعلت علامةً على التمالي على إحلال المفسدة الممنوعة. ألا ترى أن المقصد لا يؤثر في غير هذه الأحوال. فإن كانت عادته المعاملة بالربا في الجاهلية فأسلم فحوّل معاملته إلى السَّلَم لم يكن في فعله منع، لأنه وإن كان قد استبدل أرباحه من الربا بأرباحه من السَّلَم قد سلِمت معاملتُه من المفسدة التي تشتمل عليها معاملات الربا وحرمت لأجلها، واشتملت معاملته على المصلحة التي لأجلها أبيح السَّلَم. وليست الشريعة نكاية


= وأصحابهما. والصحيح ما ذهب إليه مالك رحمه الله، ومن قال بقوله، لأن ما صيّر إلى الحرام وتطرّق به إليه حرام مثله. المقدمات: ٢/ ٥٢٤.
وفي مقدمة الذخيرة: وثالثها - يعني القسم الثالث من الذرائع - مختلف فيه كبيوع الآجال، اعتبرنا نحن الذريعة فيها وخالفنا غيرنا، وحاصل القضية أنا قلنا بسد الذرائع أكثر من غيرنا، لا أنها خاصة بنا. القرافي. الذخيرة: (١) ١/ ١٤٥ = (٢) ١/ ١٥٢ - ١٥٣؛ التنقيح: ٤٤٨ - ٤٤٩؛ الفروق: ٢/ ٣٢ وما بعدها.
(١) القرافي. التنبيه الذي ذيل به الفرق بين قاعدة ما يسدّ من الذرائع وقاعدة ما لا يسدّ منها، الفروق: ٣/ ٢٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>