للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[يز - نوط التشريع بالضبط والتحديد]

بيّنتُ فيما سلف أن مقصد الشريعة في إناطة أحكامها أن تكون مرتبةً على أوصاف ومعان. وأقفّي ذلك هنا بأن الشريعة لما قصدت التيسير على الأمة في امتثال الشريعة وإجرائها في سائر الأحوال، عمدت إلى ضبطٍ وتحديدٍ يتبيّن به جلياً وجودُ الأوصاف والمعاني التي راعتها الشريعة. فبذلك قد نصبت للعلماء أمارات التشريع بالأوصاف والمعاني المراعاة في التشريع، ونصبت لِمَن دونهم حدوداً وضوابطَ تحتوي على تلك المعاني التي قد تخفى على أمثالهم، وهي صالحة لأن تكون عوناً للعلماء تَهدِيهم عند خفاء المعاني في الأوصاف أو وقوع التردد فيها. كما كانت الحدود والضوابط هاديةً لمن انحطّ عن درجة العلماء إلى أن يرتقي قليلاً إلى فهم المعاني والأوصاف المقصودة من التشريع فيما تحتويه تلك الضوابطُ من المعاني والأوصاف الخفية. فلذلك لم يكن لمتعرِّف مقاصدِ الشريعة غِنَى عن معرفة جميع ما ذكرناه.

وهذا مسلك قد دقّ على كثير من الفقهاء. وقد أشار إليه قول مالك في بيع الخيار من الموطأ. فقد أخرج حديث ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا" (١). ثم قال مالك عقبه: "وليس لهذا عندنا حد محدود ولا أمر معمول به [فيه] " (٢)


(١) تقدم: ٧١/ ٣.
(٢) تقدم: ٤٣/ ٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>