للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المرأة في نفسها بحسب نشأتها وتربيتها ودينها. وحصانة مقرها بحسب صيانة زوجها إياها، وذب جيرتها عنها, لأنهم أمثال لحال زوجها. ولذلك لم تر الشريعة نقض ما انعقد من عقود هذا النكاح في الجاهلية لأنه كان جارياً على تلك الأحوال الكاملة.

وليس من مقصد الإِسلام فيه لزوم أن يقصد المتعاقدان من عقدهما أنهما يجريان فيه على امتثال الوصايا الشرعية المعبر عنه بالنية، إذ ليس للنيّة مدخل في تقوية تلك الاعتبارات الناشئة على الشعور الغالب بالرُّجلة والمروءة.

بَيْدَ أن الشريعة زادت عقدة النكاح تشريفاً وتنويهاً لم يكونا ملحوظين قبلها، إذ اعتبرتها أساساً لهذه الفضائل، ليزيدها المقصد الديني تفضيلاً وحرمة في نفوس الأزواج وفي نظر الناس، بحيث لم يبق معدوداً في عداد الشهوات. وقد نبّه الأمة لذلك قول الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} (١).

وقد ظهر من جميع ما تقدّم أنّ صورة التعاقد في تكوين صلة النكاح على الوجه الأكمل صورة عرضت له من الحرص في تحقق معنى رضى المرأة وأهلها بذلك الاجتماع، وفي تحقق حسن قصد الرجل معها من دوام المعاشرة وإخلاص المحبة، وإلَّا فقد كان الزواج يحصل في أول تاريخ المدنية بمجرد الانسياق بين الرجل والمرأة والمراودة والمرضاة من كليهما حتى يطمئن كل إلى الآخر، ويستقر أمرهما على الوفاق والإلف وبناء العائلة والنسل.


(١) الروم: ٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>