للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السيد إذا اتخذ أمته سُرِّيّة له حاطها من حراسته بأقوى مما يحوط به إماء الخِدمة بدافع مركب من الجبلة والعادة. فإذا صارت أمَّ ولد له صارت لها أحكام خاصة.

ولم ترخّص الشريعة في أن يتزوّج الحر الأمة إذا كان يجد طَوْلاً ولم يخش عنتاً، لما في اجتماع سيادتين على المرأة من شبه تعدد الرجال للمرأة الواحدة, لأن سيادة سيد الأمة تثلم تَحققَ حصانتها. ورخصت للعبد أن يتزوج الأمة إذ لا ترضى الحرائر في الغالب بتزوج العبد. ورخصت للحر أن يتزوج الأمة إن خشي العنت ولم يجد طَوْلاً لأجل ضرورة.

ولا شك عندي في أن حفظ النسب الراجع إلى صدق انتساب النسل إلى أصله سائقٌ النسلَ إلى البر بأصله، والأصلَ إلى الرأفة والحنو على نسله سوقاً جبلياً، وليس أمراً وهمياً. فحرص الشريعة على حفظ النسب وتحقيقه، ورفع الشك عنه، نظر إلى معنى عظيم نفساني من أسرار التكوين الإلهي، علاوة على ما في ظاهره من إقرار نظام العائلة، ودرء أسباب الخصومات الناشئة عن المغيرة المجبولة عليها النفوس، وعن تطرق الشك من الأصول في انتساب النسل إليها والعكس. وأُلحقت آصرةُ الرضاع بآصرة النسب بتنزيل المرضعة منزلة الأم، وتنزيل الرضيع منزلة الأخ بقوله تعالى في عد المحرّم تزويجه: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} (١) وبقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب" (٢).

ثم نشأ عن قداسة آصرة القرابة إكساؤها إهاب الحرمة والوقار.


(١) النساء: ٢٣.
(٢) تقدم تخريجه: ١/ ١٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>