للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور يدرك مدى العلاقة بين رجال العلم والإصلاح. فالشيوخ لم يكونوا يكترثون بالتعديل أو التغيير لتعليمهم من تلقاء أنفسهم، أو يظهرون الاهتمام به والالتفات إليه، إلا ما كان منهم بعد تأسيس الجمعية الخلدونية في ١٨ رجب ١٣١٤/ ٢٤ ديسمبر ١٨٩٦، كما كان يدرك موقف المشائخ وما يتلقون به مساعي المصلحين من الحكومة بالتذمر والضجر. لا يحملهم على ذلك إلا حرصهم على حرية التصرّف في معهدهم، كما كان أسلافهم، وعدم التقيّد بنظام أو التزام بترتيبٍ ينشأ عنه تدخّل في الدين ومنهج تلقينه وطريقة نشره وتعليمه. ومن ثَمّ لم يعيروا الإصلاحات الثانية اعتباراً، ومضوا مستهينين بها، ومخالفين لها، مجدّدين بذلك موقفهم الذي وقفوه قبل من إصلاحات المشير أحمد باي الأول.

وانكمش خير الدين عن المضي في إصلاحه، تاركاً أشياء كثيرة لم يتمّها، كما توقّف المسؤولون في قطاع التعليم من رجال الحماية عن المشاركة في جهود الإصلاح، لما تقدّم به رجال العلم بالزيتونة من وصفهم للإصلاحات بكونها بدعة. وبدأ الشقاق يظهر بين الطرفين المحافظ والإصلاحي؛ فازداد الأول تمسكاً بموقفه، وأبدى دعاة الإصلاح رغبتهم في التغيير والتجديد وإصلاح التعليم العربي الإسلامي على وجه لا يزيل عنه صبغته المحمودة عند عموم الأمة. وقابل الجانب الفرنسي هذه الدعوة بالإنكار والإعراض، وقال مدير التعليم العمومي: أرجعوا تعليم جامع الزيتونة إلى المشايخ الأربعة وخلّوا بينهم وبين جامعتهم (١).


(١) ابن عاشور. أليس الصبح بقريب: ١١٩ - ١٢٠، ١٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>