للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"فإنه لما سدّت منافذ التفكير في العلم والتوسعة فيه، مال العلماء إلى التفكير في عبارات السابقين، ثم لما عُنوا بطريقة الاستحضار مالوا في تآليفهم إلى الاختصار، وحين شعروا بسماجة الإعادة للمسائل ابتكروا طريقةَ خلطِ التأليف الموضوع في مسائل علم ما بمسائل أخرى من علوم أخرى لأدنى مناسبة أو ملابسة" (١).

المحافظون المقلِّدون:

أصرّ هؤلاء على مواقفهم، مكتفين بما ورثوه، قانعين بما وصل إليهم، نابذين كل جديد، ومهاجمين كل ما يظهر في مجالات فنونهم وعلومهم مما يخالف أو يناقض ما عرفوه من تصوّرات واعتادوه من آراء، يلبسون له جلد النمر، يحضرون له سيَاط الزجر. وذلك لجمود أفكارهم، وقصورهم عن الاتسام بسِيمَى المحقّقين من العلماء. وربما كان ذلك أيضاً بسبب حسد الأكفاء والعمل على إطفاء مواهب المعاصرين، والتعصّب الممقوت لأشياخهم وكبار علمائهم، وإن تغيرت العصور وقامت بها الحجة عليهم. وإنك لتجدهم يكيدون لمن ليس من حزبهم، لوقف الناس عند ما بلغ إليه العلماء الأقدمون، غير متجاوزين في شيء مقالاتِهم وسلوكَهم وطرائقَهم. ومن أجل ذلك ألقوا في نفوس الحكام والملوك أن الخروج عن ذلك قيد شبر كالإلحاد في الدين، وأن في إطلاق الحرية للرأي والعلم نكراناً لفضيلة العلماء الماضين، إلى غير ذلك من كلمات لفّقوها، وأحاديث وضعوها، ورهبانية في تقديس المتقدمين ابتدعوها (٢).

ولم تنجُ من مغالطاتهم وصنوف كيدهم سوى طائفة قليلة من


(١) محمد الطاهر ابن عاشور. أليس الصبح بقريب: ١٦٩.
(٢) المرجع السابق: ١٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>