للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العلوم، وأفاضوا على القريب والبعيد من معارفها. فبهذا يتعارف الخيّرون، ويتنادى المُصلحون، وتبرز الصلة متينة قوية بالمضي على نفس المنهج، وتتواصل الجهود بين السابقين واللاحقين. وهذا ما حمل الشيخ ابن عاشور على التنويه بهؤلاء في قوله: "إنهم غرسوا لنُنمي، وأسّسوا لنَشِيدَ، وابتدأوا لنزيد. ولست مقتدراً أن أقنع نفسي بأنَّهم كانوا في درجة واحدة من العلم، بل منهم العالم المنشىء لقواعد وأصول، ومنهم الذي لم يشتهر اسمه إلا بفضل عوارض" (١). وهذا التفاوت بين الأعلام المشهورين يرجع بدون شك إلى ما فطروا عليه، وإلى ما هذبوه ونمّوه من ملكات، وما رزقهم الله من مواهب وقدرات، أو اكتسبوه من طاقات وتخصّصات.

[المطلب الثاني: عيوب التأليف]

وإنا كلما تقدمنا في مطالعة المذكرات الإصلاحية للشيخ ابن عاشور أيقظتنا إضاءات وتنويرات، ونبّهتنا لأهميتها آراء وملاحظات، وذكرتنا عند مطالعتها قواعد وأصولاً، يغفل عنها المدرِّسون ولا يجهلونها، وإنما هي الرتابة والتعوّد وعدم الالتفات إلى أحوال المخاطبين، وبُعد أصحاب التصانيف عن أصول البلاغة صناعة لا نظراً، أفقدتهم أسس النجاح، وجعلتهم فيما يقرّرون أو يكتبون يُملِّون وينفِّرون لما يشوب تآليفهم من عيوب تورث طُلّابَهم العياءَ وقلةَ الفهم.

ولذلك وجبت العناية بالتآليف تعريفاً وعرضاً، تحليلاً ونقداً، توجيهاً وإصلاحاً. ومن كان في أوائل هذا القرن يقدر على ذلك مثل


(١) محمد الطاهر ابن عاشور. أليس الصبح بقريب: ١٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>