للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بحث، بسبب هيمنة شيع متعصبة، يمجّدون آراء أساتذتهم وشيوخهم. فإذا تجاسر أحد على مخالفتهم عدّ مهوّساً. وهكذا انصرف الناس إلى خدمة كلام السابقين وتطويل المسوّدات والمناقشات في أفهامهم. وأصبح المبتكر عرضة للنكاية أو الاضطهاد، وناهيك بالمعترض على بعض المتقدّمين.

خامساً: إهمال المراقبة للعلوم بسبب إطلاق حرية الفكر ماضياً وحاضراً. وقد نشأ عن ذلك طمع من لا معرفة لهم ولا قدرة على خوض مجالاتها، أو الإدلاء بدلائهم فيها بوضع الرسائل والكتب، فأساؤوا للعلم وللمتعلمين. وهذا أمر يقتضي دون شك ذود الجهلة عنها، وصون العلوم من التحريف والتغيير والتبديل وسوء التأويل.

تلك هي النظرة الفاحصة لأحوال العلوم، وما لحق بعضها من نقص أو اختلال. وتصوير ذلك تصويراً عاماً يذكر أسباب التأخر فيها، كما قدّمها لنا الإمام الأكبر بعد حسن إحاطة منه بجملة العلوم، وإلمام بقضاياها، وطول مثافنة وتدبّر لها. ولم تكن الأسباب التي ذكرها محصُورة فيما ساقه منها، ولكن اكتفى في هذا المقام بإبراز أهم النقاط، يشهد لذلك قوله: "إن كثيراً من الأسباب قد غاب عني لكنه لا يكون أقوى مما ذكرت".

وهو بعد إجماله القول في هذا الغرض الذي يُقصد أساساً منه نقد أوضاع التعليم في عصره بجامع الزيتونة، رأى أن ما قدمه من ملاحظات بعيد عن حسِّ كثير من المدرسين، لكونه مع فوائده الكبيرة لا يمس، على التعيين، علومهم. فدعاه ذلك إلى وقفة جديدة يضع على المشرحة فيها العلوم المتداولة بينهم، وإن تفاوتت في الأهمية، واختلفت فيما نالها من استقرار وجمود، أو إقبال وإدبار من عامة الدارسين والناظرين فيها.

<<  <  ج: ص:  >  >>