للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قصمت الظهر، باحتلال الجيشِ الفرنسي لبلادنا، وإبرامه معاهدتي باردو والمرسى بين السلطتين القائمتين بالبلدين فرنسة وتونس. وقد أثارت هذه الصدمة اضطرابات ومظاهرات، أدت إلى مواجهة الاحتلال الأجنبي.

وبسبب الذهول الذي أصاب الناس يومئذ ألحّ الخوف والحزن على بحث أسباب هذه المحنة، في كامل سلطنة الدولة العثمانية وبخاصة ما حصل بها من آثار في البلاد التونسية بسقوط دولة الخلافة.

وكان هذا الوضع المؤلم منتشراً ومستقراً في أكثر بلاد المشرق والمغرب من ديارنا. وكانت الدول الغربية تقوم بالتخطيط للقضاء على العروبة والإسلام، غير أن نهضةً شاملة في أطراف البلاد الإسلامية والعربية، قامت تهيِّئ أصحاب هذه الأوطان إلى تدارك الأوضاع البغيضة والمهينة، وإلى العمل بحزم على استرجاع السيادة والكرامة.

واحتدم الشباب الوطني في نزاعه مع المنافقين والمتخاذلين الذين باتوا يخشَون على مصالحهم من التلاشي، وعلى نفوذهم من التقلّص. وتغيّرت أوضاع تونس السياسية والإدارية. وكانت طائفة من المواطنين قد اختارت السلاح لمواجهة العدو ومحاربته، وأخرى كانت تعزّز الأولى وتوجّهها، وتثبّت أقدامها في المعركة، تثير في نفسها ما هي في مسيس الحاجة إليه، من حميّة وحماس وعزم على مواصلة الكفاح:

والعرب لا تبدأ بجمع جموعها ... إلا سمعت نشيدها وحداءها

وهكذا ظهرت في المشرقين الأقصى والأدنى حركة إصلاحية مباركة، ونهضة فكرية شاملة: اجتماعية وسياسية، زلزلت الأرضَ من تحت أقدام المستعمرين أو كادت. وشكا الباغون المستعمرون، رغم

<<  <  ج: ص:  >  >>