للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد شَدَوا محفوظات كثيرة من القواعد، وارتسمت في عقولهم جملة من قضايا الحجاج واللَّجاج دون إتقان لحسن التعبير أو رعي لقواعد الفنين. وكم كان ما يدّعونه من وراء ذلك من شحذ الأذهان قميناً بأن يصرف في خدمة مسائل العلوم التي تحتاج إلى التفكير والحل.

ثانياً: كثرة الخلاف بين منهج البصريين الذين وضعوا قواعدهم في النحو على أساس القياس، والجمع بين النظائر في الاستعمال، وتأويلهم ما ورد من نادر كلام العرب على خلاف ذلك، ومنهج الكوفيين الذين اعتمدوا كل ما ورد من كلام العرب باعتباره أصلاً معتبراً عندهم في الاستعمال. فذكروا لذلك الشواهد التي تحضرهم في كل مسألة خلافية بينهم وبين البصريين. وقد كان الخلاف شديداً وحاداً بين أنصار المذهبين. فكان أبو حيان الأندلسي، كما قال ابن الخطيب، حاملَ لواء سيف النصرة للدفاع عن نَحْوِ البصرة، وكان ابن مالك الأندلسي أيضاً أقلَّ حدّة منه ولكنه الحكم والعدل بين الفريقين. فناله لذلك من أبي حيان شديدُ الإذاية كلما ذكره في كتبه. ولو تُرك التعرّض لمثل هذه الخلافات إلى المطوّلات، وإلى المراحل العالية، وجرّدت منه كتب التعليم لاستقام أمر تكوين الطلاب وإكسابهم العصمة في اللسان والقدرة على البيان.

ثالثاً: الاستناد في تقعيد القواعد لدى المتأخّرين من النحاة، على التمثيل لها بصيغ مصنوعة أو أبيات وشواهد منحوتة أو موضوعة. وقد نجم عن الأولى إقصاء الأذواق، في تكوينها وصقلها عن الاستعمال العربي، وترتَّب على نوعي الشواهد المصنوعة والمذكورة خطأٌ في استنباط القواعد، لأن الأبيات الواردة من ذلك أكثرها موضوع أو منحوت. وهو ما شهد به المؤرخون للغة العربية وآدابها حين أثبتوا انتحال الأشعار، ووضع خلف الأحمر الكثير

<<  <  ج: ص:  >  >>