للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المترددين وضعاف العزائم، موقرين في نفوسهم أن تقدم الشعب وتحقيق متطلباته لن يكون إلا بالخضوع للواقع، والسير وراء الأقوى، والأخذ بأسباب العزّة والقوّة من الحضارة الأوروبية القائمة، وإن أدى ذلك إلى اضمحلال الذاتية القومية بجميع مقوماتها وبالذوبان في الغير. وهو الاتجاه السياسي القديم الذي أملاه زويمر ودعا له من وقت احتلال فرنسة للجزائر عام ١٨٣٠.

وتلت هذه الجهود الماكرة والدعايات السياسية المضلّلة ألوانٌ من التصرّفات الإدارية الاستعمارية، تمثلت:

أولاً: في تحجيم التعليم الزيتوني بعد انتعاشه.

وقد يكون من الضروري هنا أن نصف ما كان عليه التعليم بتونس من فوضى، وما كان عليه المعلمون والأساتذة من حيرة. فالتعليم الزيتوني الذي كان يشق سبيله في شعبتيه العلمية والعصرية بفضل الجهود الإصلاحية الذاتية، إلى الظهور على غيره والتقدم عليه، وجد من المواطنين إقبالاً وعناية. فهو بشعبته العصرية يمثل بادرة فريدة من نوعها، وتجربة رائدة في تاريخ التعليم المُعَرَّب بتونس. وازدادت أهمية واعتزاز المجتمع التونسي العربي المسلم به، لأنه تمكّن من جهة على المحافظة على أهمية العلوم العربية والشرعية، ومن جهة ثانية أقام تعليماً عصرياً تجهيزياً علمياً يعدّ خريجيه للتخصص في الجامعات الشرقية والغربية، كما لبّى رغبات الأمة في تحقيق التجربة الأصلية باستيعاب العلوم العصرية دون التفريط في علوم الشريعة الإسلامية (١).


(١) د/ علي الزيدي. تاريخ النظام التربوي، شعبة العصرية الزيتونية: ٣٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>