للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيما بدا من إنكار الفقيهين، عروة بن الزبير وأبي مسعود الأنصاري، على الأميرين عمر بن عبد العزيز والمغيرة بن شعبة، تأخيرَ الصلاة ليس من أجل الغفلة عنها إلى خروج الوقت، وإنّما للتأخّر بها عن أول الوقت. فالسلف كانوا يخشون تعيّنه لإيقاع الصلاة، وأن في التأخّر عن أول الوقت بدون عذر إثماً. ذاك كان دأبهم في المحافظة على السنة. فكانوا يرون أن وقت أول الواجب الموسع هو أول الوقت، وأن ما بعده قضاء سدّ مسدّ الأداء. وهذا خلاف رأي الجمهور الذي يعتبر جميع وقت الواجب الموسع محلاً للأداء.

وهذا الحديث مما رواه البخاري عن عبد الله بن سلمة عن مالك (١). ومحل الاحتجاج فيه لمقالة السلف: أن جبريل نزل فصلّى عند الوقت أي في بدايته، وصلّى الرسول - صلى الله عليه وسلم - بصلاته. وهكذا عقبت الصلاةُ النزولَ بلا تريث، وفيه الإشعار بوجوب المبادرة إلى الصلاة. ويقابل هذا الرأي قول الفقهاء: أوقات الصلاة ذات مبادىء ونهايات، وأن الأمر إنما جاء لتأكيد الأداء في أول الوقت، أو هو أمر لغير ذي العذر بالمبادرة إلى الصلاة. وفي هذا سعة، والشريعة لا يفارقها التيسير.

وقد اشتمل هذا التعليق على ملحظ لطيف دلّ على أهمية الصلاة وشرفها: يظهر الأول في صلاة جبريل الأوقات الخمسة برسول الله، تبليغاً عملياً لأوصافها وكمال أدائها. ويظهر الثاني في فرض الله الصلاة بحضرة الملائكة في الإسراء، وبيان حقيقتها وصور القيام بها عن طريق نزول الروح الأمين جبريل - عليه السلام - بها (٢).

* * *


(١) خَ. ٩ كتاب مواقيت الصلاة، الباب الأول، ١: ١/ ١٣٢.
(٢) محمد الطاهر ابن عاشور. كشف المغطّى: ٥٢ - ٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>