للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل: ورد الحديث إيصاء من الرسول - صلى الله عليه وسلم - للأنصار بالصبر على الجور إن نزل بهم حرمانٌ من حقوقهم، وهذا صبر غير واجب. وقد ذيّل الإمام الأكبر نصَّ هذا الحديث بما نقله عن أنس من قوله: "فلم نصبر". ولعل في هذا إشارة إلى ما كان بين الأنصار ويزيد بن معاوية من نزاع كانت عاقبته وقعة الحرّة.

ولم يترك المؤلف هذا الفهم بدون نقاش. فقال: إن أنساً أخذ بعموم الأمر في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فاصبروا" على وجه الاحتياط. وهذا لا يصحّ، لكون الفعل لا عموم له، ولأن لفظ "أثرة" نكرة واردة في سياق الإثبات فلا تفيد عموماً، فالحمل على هذا حمل بعيد، ولا يعدُّ الأنصار مخالفين لما أمرهم به الرسول - صلى الله عليه وسلم -.

ويمضي بعد هذا مؤكَّداً لمعنى الأثرة الثانية بأن القصد منها تخصيص المهاجرين بولاية الأمر من بعده. يشهد لذلك ما ورد من زيادة في حديث أنس في باب مناقب الأنصار: "قال: دعا النبي الأنصار إلى أن يُقْطِعَ لهم البحرين. فقالوا: لا، إلَّا أن تُقْطِعَ لإخواننا المهاجرين مثله. قال: إما لا، فاصبروا حتى تلقوني، فإنه سيصيبكم بعدي أثرة" (١). وكان في ذلك منهم تعلق بما وصفهم به القرآن. فحرصوا على أن لا يُؤثَروا على المهاجرين بمزية. فجاء الحديث تذكيراً بمنقبتهم هذه خشية أن تحملهم الأنفة على منازعة المهاجرين فيما آثرهم الله به من ولاية الأمر بعد الرسول - صلى الله عليه وسلم - (٢).

* * *


(١) ٦٣ كتاب مناقب الأنصار، ٨ باب قول النبي للأنصار: اصبروا حتى تلقوني على الحوض، الحديث الثالث. خَ: ٤/ ٢٢٥.
(٢) النظر الفسيح: ١٢٩ - ١٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>