للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا الاستدلال ينظر إلى قول الله جل ذكره: {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا} (١) أي لم أكن شقياً مع دعائك، فإني لم أعهد عدم استجابة دعائي.

وجرى قوله: "هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم" مجرى المثل، وأصبحت دلالته بمعنى أن الجلساء لا يختصون عن جليسهم بمزية، ولا يستأثرون عليه بخير. فلما أكرمهم الله بالمغفرة أكمل لهم الكرامة، فلم يحرم منها جليسهم حتى لا تثلم كرامتهم بحرمان جليسهم من المغفرة التي أَعطوها (٢).

* * *

العاشر: حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن أعظم المسلمين جرماً من سأل عن شيء لم يحرّم، فحرّم من أجل مسألته" (٣).

هذا الخبر من مشاكل الآثار التي عني المحدثون والفقهاء ببحثها وتجلية المراد منها. وهو يحتاج، لحمله على الوجه الحقيقي المطلوب، إلى تفكُّر وتدبُّر. وقد وردت نصوص من الكتاب والسنة بمعناه. فمن ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (١٠١) قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ} (٤) وفي الحديث الصحيح إلى جانب الخبر موضع التعليق والبحث، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله حدد حدودًا فلا تعتدوها، وسكت


(١) مريم: ٤.
(٢) النظر الفسيح: ٣٢١ - ٣٢٢.
(٣) ٩٦ كتاب الاعتصام، ٣ باب ما يكره من كثرة السؤال. خَ: ٨/ ١٤٢.
(٤) المائدة: ١٠١، ١٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>