للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويمكن حملُ الجُرم على الشيء المكدِّر للناس لا على الذنب، فيكون المراد منه أن السائل الذي يَحْرُم الشيء بسبب سؤاله أعظم الناس إحراجاً لقومه بذلك السؤال.

ثم أورد المؤلف، عقب هذا التعليق الجيّد المفيد، مثالًا ثانياً لبعض ما أشكل من الآثار، وهو في نفس الكتاب ونفس الباب، ففي حديث زيد بن ثابت في صلاة الليل قال: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - اتخذ حجرة في المسجد من حصير، وفيه: ما زال بكم الذي رأيت من صنيعكم حتى خشيت أن يكتب عليكم، ولو كتب عليكم ما قمتم به، فصلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة".

ووجه الإشكال في هذا الحديث: أن الله إذا أراد أن يفرض على الأمة فريضة لا يتوقف مراده على ظهور حِرص الأمة على فعل شيء فيكتبَ عليهم. ذلك أن شرع الأحكام من الله تعالى يكون على حسب ما فيها من مصالح ومفاسد. فلا يؤثر حِرصٌ ولا زهادةٌ من الخلق في فعل من الأفعال حكماً يقتضي تشريع ذلك الفعل.

وللإجابة عما يوهمه الحديث من الإشكال يقول المؤلف: يمكن أن يكون قد نصب الله لنبيه علامات تؤذن بأنه سبحانه سيكتب على الأمة عملاً، وتُقبل الأمة على عمل من الأعمال الحسنة فيجعلُ الله ذلك الإقبال تيسيراً أو تهيئة لتحمّل ما سيكتب عليها. فأشفق الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما رأى من حرصهم على صلاة الليل أن يكون من هذا القبيل. وربما كانت الكراهية للشيء القبيح أمارة على تهيئة النفوس لتلقي تحريم. ومثال ذلك كراهيتهم للخمر بعد واقعة حمزة مع علي، ثم الرسول - صلى الله عليه وسلم - (١)؛ وبعد قراءة الإمام في صلاته: {قُلْ


(١) انظر: ٣٦ كتاب الأشربة، ١ باب تحريم الخمر، ح ١، ٢. مسلم: ٢/ ١٥٦٨ - ١٥٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>